د. أحمد الفراج
يتردد كثيراً أن منصب نائب الرئيس الأمريكي منصب شرفي وحسب، وهذا ليس دقيقاً، فلهذا المنصب مهمتان كبيرتان، ولا تتبين أهمية هذا المنصب إلا عندما يتحتم استخدام هذه المهام، فنائب الرئيس هو - حسب الدستور- رئيس مجلس الشيوخ، والذي يتكون من مائة عضو، أي عضوان لكل ولاية، من الولايات الخمسين، بغض النظر عن حجمها الجغرافي والسكاني، وبما أن قرارات مجلس الشيوخ تحسم بالتصويت، فإنه يحصل أن يكون هناك تعادل بالأصوات، وفي هذه الحالة يكون دور نائب الرئيس حاسماً، فهو رئيس المجلس، وصوته يحسم القضية، وهناك قرارات مصيرية حسمها صوت نائب الرئيس، أما المهمة الثانية لنائب الرئيس فهي أهم من ذلك بكثير.
نائب الرئيس الأمريكي يصبح رئيساً بشكل مباشر، في حال وفاة الرئيس، أو عزله، وقد حدث ذلك مراراً، وهناك حادثتان، كان مهماً أن نائب الرئيس، حينما حدثا، كان سياسياً مؤهلاً بما يكفي لتسنم منصب الرئيس، ففي الحادثة الأولى، تم اغتيال أفضل الرؤساء الأمريكيين، حسب معظم المؤرّخين، الرئيس إبراهام لينكولن، وذلك في عام 1865، عندما كان يشاهد عرضاً مسرحياً، إذ اغتاله أحد العنصريين المعارضين لتحرير السود، بحكم أن لينكولن هو الذي تولى كبر هذه المسألة، وشنَّ حرباً على الانفصاليين، في ولايات الجنوب، والذين رفضوا تحرير السود، ولم يتحرّر السود إلا بعد أن هزمهم لينكولن، وأعاد توحيد أمريكا من جديد، بقيم جديدة، وبعد اغتياله، تولى الرئاسة نائبه، الرئيس اندرو جانسون، الذي لم يكن مثل لينكولن بكل تأكيد، ولكنه كان قادراً على حكم الولايات المتحدة، وتجنيبها ويلات ما هو أسوأ، بحكم أن سكان الجنوب الأمريكي لم يكونوا سعداء على الإطلاق، بعد هزيمتهم من لينكولن، وتحرير السود.
الحادثة الثانية كانت عندما تم اغتيال الرئيس الشهير، جون كينيدي، في عام 1963، بينما كان موكبه يسير في أحد شوارع مدينة دالاس، بولاية تكساس، وهو الاغتيال الذي لم تحل رموزه حتى يومنا هذا، وحينها كانت أمريكا تغلي، وفي حرب داخلية، بين المواطنين السود، الذين كانوا يطالبون بحقوقهم بالمساواة مع البيض، وبين البيض، الذين لم يكونوا مستعدين لذلك، وكانت فترة حرجة، وبعد اغتيال كينيدي، تولى الرئاسة نائبه، ليندون جانسون، ورغم أن هناك تحفظات من كثير من المؤرّخين على الرئيس جانسون، ودوره في حرب فيتنام، إلا أنه استطاع قيادة أمريكا لبر الأمان، بل دخل التاريخ، عندما صادق على قانون الحقوق المدنية، الذي يساوي بين البيض والسود، وهو الإنجاز الذي يتمناه كثيرون، وهنا ندرك أن منصب نائب الرئيس الأمريكي ليس شرفياً، بل من الممكن أن يؤدي أدواراً حاسمة، وهذا ما حدث كثيراً، خلال التاريخ الطويل للولايات المتحدة الأمريكية.