د. محمد عبدالله العوين
ربما يتساءل من يبحث في تاريخ الجماعات الإرهابية في العراق والشام؛ كيف حدث الانقلاب الخطير في مسيرة «القاعدة» بعد أن بايع أبو مصعب الزرقاوي أمير تنظيم «التوحيد والجهاد» في العراق أسامة بن لادن عام 2004م وبعد مقتل أبي مصعب بغارة أمريكية في الأنبار عام 2006م بايع خلفه على التنظيم أبو عمر البغدادي ابن لادن أيضا وغير اسمه إلى «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» لمزيد من إعلان الولاء لفكر القاعدة؛ كيف انقلب تنظيم القاعدة إلى شبه تنظيم بعثي بعد أن انضوى تحت لوائه مجموعة كبيرة من ضباط الجيش العراقي البعثيين الذين سرحوا من عملهم 2003م على إثر حل الجيش العراق القديم بقرار من الحاكم الأمريكي في العراق واستبداله بجيش طائفي شيعي لا خبرة لديه، وكيف ظهر تنظيم «داعش» بمظهر خوارجي موغل في تطرفه؟
من يصدق أن تنظيم داعش الإرهابي بعثي خالص ؛ بينما يظهر بعمامة خوارجية متطرفة؟ وكيف يجمع التنظيم في صفوفه التكفيري والبعثي والصوفي النقشبندي ؟! وهل من تفسير مقنع لتحول مسارات التنظيم من حرب الأمريكان إبان كان «قاعدة» إلى حرب «جبهة النصرة» التي هي «قاعدة» حين توحد تنظيم « دولة العراق الإسلامية «مع تنظيم» جبهة النصرة لأهالي الشام « عام 2012م بعد أن قامت الثورة على نظام بشار الأسد تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي عرف لاحقا باسم «داعش»؟ ثم كيف انفضت تلك الوحدة بعد أن اكتشفت «النصرة» أن تنظيم « داعش « لا يوجه ضرباته إلى النظام السوري ؛ بل ينسق معه ويتبادل معه الأدوار ؛ ولذلك انفض ما كان بينهما من اتفاق وتحول القرب القديم إلى عداء وحرب ودم!
تحولات غريبة لا يمكن تفسيرها إلا حينما نتتبع الأيادي الاستخباراتية البعثية السورية والإيرانية الخفية ومن يدعمها من دول كبرى لتحويل المسارات النضالية لصالحها واختطاف ثورة الشعب السوري وإجهاضها واستخدام الإجرام باسم الدين المفترى عليه لتشويه توق الشعب السوري إلى الحرية.
لنعد إلى تسلسل قصة تكوين التنظيم ونمسك بأول خيوط التحول من القاعدة إلى البعث؛ فبعد تسريح الجيش العراقي 2003م هام الضباط على وجوههم بدون عمل وشكل ذلك حنقا وثورة على المحتل الأمريكي وعملائه من الطائفيين الشيعة، ومن أولئك العقيد سمير عبد محمد الخليفاوي « الضابط في مخابرات القوات الجوية في قاعدة «الحبانية» في عهد صدام حسين والذي عرف لاحقا باسم رمزي منتحل ؛ هو «حجي جابر».
كان العقيد سمير على درجة عالية من الذكاء والصرامة والحزم والقدرة على التحمل والإيمان العميق بأفكار البعث القومية والتحسر على ما وصل إليه العراق بعد الغزو الأمريكي والرغبة في الانتقام من العملاء الموالين لإيران الذين استقبلوا المحتل وساعدوه وعملوا معه ثم سلم لهم العراق ؛ فآلى على نفسه أن يكون جيش مقاومة من فلول البعث المنحل وأن يتعاون مع كل جماعة تناهض المحتل الأمريكي وعملاءه مهما كانت اتجاهاتها الفكرية فالتحق بتنظيم « التوحيد والجهاد « الذي كان يقوده الزرقاوي في الأنبار وهنا بدأ ائتلاف المصلحة بين الإسلامي المتطرف والبعثي القومي ، وبعد أن واجه الأمريكان وحكومة بغداد الموالية لإيران التنظيم بالتتبع والضربات على إثر العمليات الدامية قتل الزرقاوي بغارة أمريكية جوية واعتقل العقيد سمير 2006م ومكث متنقلا بين سجن «بوكا» في البصرة و « أبي غريب « سنتين إلى نهاية 2008م حيث أطلق سراحه ، وفي السجن تعرف على قياديين من جبهات مقاتلة عدة ؛ لعل أبرزها أتباع الزرقاوي نفسه ومن بينهم «إبراهيم عواد السامرائي» الملقب بـ»أبي بكر البغدادي» وجمع المعتقل بين الناقمين على الاحتلال وعملائه مع اختلاف مشاربهم الفكرية السلفية والقاعدة والقبلية والبعثية ، وبعقلية ضابط الاستخبارات رأى العقيد البعثي أن يوظف الديني لقيام دولة بعث جديدة بعمامة إسلامية متطرفة ووجد في السامرائي رجلا مناسبا لهذا الدور . يتبع