ما زال العالم وسط هذا الخضم الهائل من الأحداث التي يموج بها في حالة تغير وتبدل في أفكاره ومنهاجه التي رأى فيها يومًا أساسًا لاستقراره، ولكنه لم يجد في نتائجها إلا سرابًا، ليس هذا فقط، بل حصد منها مرارة الواقع، وشردت منه ملامح المستقبل الهادئ الذي انتظره، وهذا ما تشهد عليه الأحداث المتفجرة في مناطق عديدة منه.
والأمة الإسلامية التي أقامت مجدها ونهضتها العريقة برسالتها وشريعتها الغراء طوال قرون عديدة في وقت كانت فيه الأمم الأخرى تعيش في سبات عميق من الظلم والجهل قدمت وعلى مدى هذا التاريخ العريق نموذجًا قويمًا للأمن والرخاء للفرد والمجتمعات بقدر ما أخذت من المنهج الإسلامي الخالد.
وأمام هذا الواقع الراهن للعالم بكل مآسيه وكوارثه التي فجَّرها الإنسان في مناطق عديدة، من عدوان وتشريد وصراعات، خلفت الفقر والجوع وأحقادًا تحصد الأرواح وتعصف بالمقدرات والمكتسبات، تجد الأمة العربية والإسلامية في دائرة التأثر بحكم حركة المنظومة الدولية، وما يعيشه الملايين من أبناء الأمة في فلسطين وليبيا وسوريا والصومال والعراق واليمن وتونس والأقليات المسلمة في العالم.
وهذا الوطن الكبير (المملكة العربية السعودية) بأسس بنائه الشامخ ومرتكزات نهجه الإسلامي الكامل ما زال وسيظل - بإذن الله تعالى - النموذج الراشد المتمتع برخائه، والمتفرد بأمنه واستقراره، والمتميز بأهدافه الخيرة.
لقد جسدت الكلمة الضافية التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - إلى المواطنين والمسلمين في كل مكان بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لعام 1437هـ كل هذه المعاني والأهداف النبيلة التي هي ثوابت السياسة السعودية الحكيمة ونهجها القويم المتمثل في السعي الدائم لاستقرار الأمة ونهضتها وسلام العالم للوصول للأهداف الكبرى للأمة وطموحاتها وأماني شعوبها.
لقد قال - ألبسه الله لباس الصحة والعافية - القول بالمنهج والرسالة: «كما أن أمتنا أمة الإسلام حري بها أن تتمثل ما أرشدنا إليه نبي الأمة - صلى الله عليه وسلم - من أن المسلم للمسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وإن المملكة العربية السعودية منذ أسسها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله رحمة واسعة - قد جعلت وحدة الأمة الإسلامية والسعي في لمّ الشمل العربي والإسلامي هدفها الذي تسعى إليه دائمًا، وتحرص على تحقيقه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وسنبقى حريصين على هذا الهدف النبيل قيادة وشعبًا، نفرح لفرح إخواننا المسلمين، ونحزن لحزنهم، نواسيهم في ما ألمّ بهم، ونسهم في إصلاح ما تصدع من جدار الأمة وكيانها العزيز علينا، بوقوفنا معهم في الشدة والرخاء».
وجاء ذلك الخطاب ليؤكد مرجعية الإسلام؛ ما يدل على أن أي ادعاء آخر ليس واقعيًّا، كما لا يمكن أن تكون هناك مرجعية إسلامية بديلة لهذا الوطن، مهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في كل أصقاع الأرض، فقال بالتأكيد والفخر - رعاه الله - أيضًا: «ونشكره جل وعلا على ما خص به هذه البلاد من خير وفضل ومكانة ورفعة؛ فهي مهبط الوحي، ومنها انطلقت مشاعل النبوة الهادية إلى الحق المبين، وخصها الله بأن تكون هي أرض الحرمين الشريفين، وقِبلة المسلمين، يتوجهون إليها في صلاتهم من كل مكان خمس مرات في اليوم والليلة، يرجون رحمة الله».
وكان واضحًا وهو يدعو إلى «الحيطة والحذر» على صورة التذكير التي تنفع، فقال: «أيها الإخوة المسلمون، شهر رمضان هو شهر الرحمة، وفيه نتذكر أن العالم كله يشتكي من داء الإرهاب بكل أشكاله وصوره، ومهما تنوعت بواعثه الخبيثة فهو انحراف عن الفطرة السوية، لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يراعي الذمم، ولا يقدر الحرمات، فقد تجاوز حدود الدول، وتغلغل في علاقاتها، وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين، وفرَّق بين الأب وابنه، وباعد بين الأسر، وشرذم الجماعات. إن الإسلام دين الرحمة والرأفة والمحبة والوسطية، وهو يدعو إلى السلام والعدل ونبذ العنف والتطرف. وإننا نسأل الله في هذا الشهر المبارك أن يعين الأمة الإسلامية والعالم أجمع على اجتثاث هذا الوباء والقضاء عليه، وأسأله سبحانه أن يمدنا بالعون والتوفيق والسداد، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا. وكل عام وأنتم بخير».
وبعد ذلك الخطاب أسأل الله تعالى - جلت قدرته - أن يحفظ قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إمامًا يعلي بناء المجد، وأن يبقيه حسامًا يذود عن الدين والعرض، وأن يديمه علمًا يرفرف فوق هاماتنا، لا تحركه إلا نسائم العز، ولا تخفق حوله إلا نسمات الخير والنصر، إنه نعم المولى ونعم النصير، وهو على كل شيء قادر وقدير.
- مدير العلاقات والإعلام بإدارة التعليم بمحافظة وادي الدواسر