حمّاد السالمي
ابن عباس؛ هو مسجد (الحَبْر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) في قلب الطائف.. مسجد تاريخي قديم يعود إلى سنة 591هـ، حيث بُني أيام (الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء العباسي)، على الأرض التي عسكر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الطائف في السنة الثامنة للهجرة؛ ملاصقًا لمقبرة شهداء غزوة الطائف، وعلى قبر هذا الصحابي الجليل ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي تدير الطائف زمن عبدالله بن الزبير -رضي الله عنه-، وتوفي ودفن بها سنة 68هـ. ويعرف هذا المسجد عند الأقدمين وحتى عهد قريب عند آبائنا وأجدادنا لأهميته وقيمته التاريخية بـ(حرم ابن عباس). يقع المسجد في الطرف الجنوبي الغربي للطائف القديم، في الضفة الشمالية لوادي وج، حيث كان الطائف الجاهلي داخل (طوف ثقيف)؛ في طرف وادي وج الجنوبي من الجهة المقابلة.
أما الهادي؛ فأقصد به (مسجد الهادي). الذي يقع وسط الطائف التاريخية. بين حييه الشهيرين الوحيدين إلى ما قبل ثمانين سنة مضت: (حي فوق، وحي أسفل). وقد بني في منتصف القرن الحادي عشر الهجري.
لماذا أتكلم اليوم على هذين المسجدين التاريخيين تحديدًا؛ والطائف تعج بعشرات المساجد التاريخية، التي تحتاج إلى رعاية وعناية وحفاظ لها من عبث العابثين وتطرف المتطرفين..؟.
يأتي هذا بمناسبة إنجاز مشروع الطائف التاريخية، المشروع الحضاري الأهم الذي نهضت به ونفذته أمانة الطائف، وقدمته هدية قيمة لأبناء الطائف ومحبيها في شهر رمضان الفارط، فقد عادت إلى الطائف ذاكرتها المجيدة من جديد، وبرزت معالمها التاريخية، وظهرت سماتها المدنية العربية الإسلامية التي فقدتها عدة عقود، مثل مدن كثيرة في بلادنا؛ بدأت تستيقظ وتجدد جذورها الأصيلة. كمدينة جُدة على سبيل المثال.
كانت الطائف إلى ما قبل مئة عام؛ مدينة صغيرة. عبارة عن حيين كبيرين هما (حي فوق، وحي أسفل)، ومسورة بسور أقامه العثمانيون بداية القرن الثالث عشر الهجري، جعلوا له ثلاثة أبواب هي: (باب ابن عباس، وباب الريع، وباب الحزم)، وفُتح باب رابع في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هو (باب جديد) إلى الشرق. هذه الأبواب تُقفل على السكان مع الغروب، وتُفتح مع الصباح، ولما توسعت المدينة في العهد السعودي، أزيل هذا السور سنة 1368هـ، لتتمدد المدينة، ولتبتلع كافة القرى والمزارع حولها، ولكنها مع هذا التوسع الكبير والمفاجئ؛ نسيت نفسها، وذهبت معالمها، ولم يتبق من السور سوى برج غلفة في الهضبة.
«نجاح أمانة الطائف في إعادة هيكلة وهندسة قلب الطائف؛ أدخل السرور على محبي هذه المدينة الحضرية القديمة قدم مكة والمدينة في جزيرة العرب. تجولت في الطائف التاريخية مؤخرًا، وشاهدت رواشينها الجميلة، وأرضياتها المبلطة، وألوان منازلها، وحوانيتها الموحدة، وإضاءاتها الخلابة، وكذلك المرافق الخدمية بين زنقاتها المتداخلة، والبوابتين الجميلتين: ( باب الريع، وباب الحزم)، في انتظار قيام البوابة الثالثة: (باب ابن عباس). تذكرت حينها رؤيتي لقصبات مدن العرب التي ما زالت قائمة ومحافظة على جمالياتها التاريخية، كما هو الحال في إشبيليا، وطنجة، وفاس، ومكناس، والرباط، وتونس، وغيرها.
في إحدى أماسي مركاز الطائف في قلبها التاريخي النابض اليوم، تحدثت مع مهندس هذا الجمال البديع صديقنا أمين الطائف (محمد بن عبدالرحمن المخرج)، وتمنيت عليه إكمال صورة هذا المشهد الفريد في طائف المجد والتاريخ، وذلك بإعادة بناء السور من جديد، وإقامة (باب جديد)، الذي كان يفتح على حي السليمانية.
لم تتوقف أمانيي وأحلامي عند هذا؛ بل طلبت منه أن يبذل جهده مع الجهات المعنية بمساجد الطائف، وخاصة التاريخية داخل السور، ومنها مسجدي عبدالله بن عباس والهادي، فالأول هو اللبنة التي انطلقت منها الطائف إلى مقرها الإسلامي شمالاً من وادي وج قبل أكثر من ثماني مئة سنة، والثاني هو قلبها منذ أربع مئة سنة، فجماليات الطائف التاريخية لن تكتمل إلا بتطوير مسجدي ابن عباس والهادي، الذي مضى على آخر تطوير لهما أكثر من خمسين سنة.
إن من يزور هذين المسجدين التاريخيين ويصلي فيهما، يشهد بنفسه أنهما في حالة عمرانية بائسة، فالجدران متآكلة، والمواضئ غير لائقة، والفرش بالية، والأعمدة أكثر من المصلين في بعض الأوقات، ولا مواقف كافية للسيارات، ولا صلة للمظهر العمراني والهندسي الذي هما عليه اليوم بما جرى حولهما وبقربهما من تنظيم وتطوير البتة، والحاجة إلى إدخالهما في المنظومة التطويرية للطائف التاريخية؛ ملحة وبقوة وعاجلاً، ومثلي يستغرب كيف غاب هذا عن وزارة الشئون الإسلامية، فهي الجهة التي لم تكن بعيدة عن مشروع تطوير قلب الطائف كما أعرف، وكنا ننتظر منها المبادرة لإدخال المسجدين الكبيرين والتاريخيين: (ابن عباس والهادي)؛ ضمن المنظومة التطويرية للطائف التاريخية.