محمد آل الشيخ
الإرهاب يضرب ثانية فرنسا، وعلى شاطئ الريفيرا، مستخدما شاحنة اتجهت بسرعة جنونية، إلى جماهير محتشدة في مدينة نيس الساحلية تحتفل بالعيد الوطني الفرنسي، ليتحول الاحتفال إلى فجيعة مروعة، قتل فيها حتى كتابة هذه الزاوية ما يربوا على ثمانين قتيلاً ومثلهم من المصابين.
الجديد في هذه العملية الإرهابية هي وسيلة القتل الجماعي، حيث لا متفجرات ولا سلاح، وإنما تسخير الشاحنات الضخمة، ليكون (الدهس) هو الوسيلة، وفي تقديري أن مثل هذه الحادثة ستستنسخ مرات عدة، حيث يصعب ردع مثل هذا النوع من العمليات الإرهابية إذا كان سائقها على استعداد أن ينتحر، أو على رأي (القرضاوي) يستشهد، بعد تنفيذ عمليته؛ وكما يقولون: تعددت الأسباب والموت واحد، وهنا الإرهاب واحد.
لذلك، فلا مناص عن العود على ما قلنا، وبحت أصواتنا ونحن نردده في أعقاب كل حادثة، ومؤداه أننا ما لم نتتبع أصحاب الفتاوى الانتحارية، ومصدريها، نسكت عنهم، ونجاملهم، ونغض أبصارنا عنهم، ونلقي باللوم على ظاهرة الإرهاب، ونتحاشى توجيه أصابع الاتهام إلى من ابتكر سلاح (الانتحار) الإرهابي، فسنظل ندور في حلقة مفرغة. يوسف القرضاوي مفتي جماعة الإخوان الأول هو أول من أفتى بها كوسيلة جهادية، وسماها ليغري بها الشباب المضطرب نفسيا (الاستشهاد)، ومعروف في أدبيات الفقه الإسلامي، أن من قاتل وقتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو شهيد، يتمتع بكل ما يتمتع به الشهداء في الجنة، وأهم ما يستمتع به كما في بعض الروايات سبعين حورية، معها سبعون وصيفة، كما يروي بعض الدعاة الصحويون. أي أن منظومة الإرهاب التكفيري، تتكون من شيخ يفتي، وهذا الشيخ هنا هو القرضاوي، وشيخ يحدث عن الحور في الجنة، ومهووس معلول نفسي ، يقوم بتنفيذ العملية.
والذي يغيظني، أن الجريمة، والمحرض عليها هو (القرضاوي) الشيخ الإخواني حتى النخاع، ومن تبناها من بعده هم السلفيون المتأخونون، الفرقة التي ابتدعها السوري محمد سرور بن زين العابدين، ويأتي الغربيون، وخاصة المحللون الفرنسيون، ويلحقون القول بإباحة الانتحار إلى فقهاء (الوهابية) كما يسمونها. ومنهم تكفيريون غلاة، غير أن القول بالانتحار الذي هو سلاح الإرهاب الأول الآن، هو قول إخواني، يرفضه علماء المملكة المعتبرون، وعلى رأسهم أهم مشايخها على الإطلاق الشيخ صالح الفوزان، وكذلك سلفه الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -، أما من يقول بجواز الانتحار فهو واحد من اثنين: إما أنه إخواني المرجعية الفقهية، أو هو سروري الهوى، يأخذ من جماعة الإخوان البعد السياسي، ويأخذ من السلف وأقوالهم العقيدة. وهؤلاء - للأسف الشديد - ينتمي إليهم كثير من الدعاة الصحويين. فكل من حرضوا على الإرهاب بذريعة الجهاد هم هؤلاء وإن تنصلوا عن انتمائهم لهذه الجماعات الإرهابية.
وفي تقديري أن تفاقم ظاهرة الإرهاب المتأسلم، والسكوت عمن يفتي للأغيلمة المتوترين نفسيا، المهزومين حضاريا، بأن يخالف نصا قرآنيا محكما، ويقدم عليه نصوصاً حديثية، الله وحده أعلم بصحتها، كما فعل القرضاوي، بادعائه أن آية حرمة الانتحار ليست قطعية، وأن حديث غلام أصحاب الأخدود يلغي شموليتها وقطعيتها، فلينتظر المسلمون مأزقا عالميا سيكلفهم ويكلف دينهم وصورته النمطية امام العالم ما لا تحمد عقباه.
إلى اللقاء