(ذا هندو) - الهند:
وصل زلماي خليل زاد المولود في أفغانستان إلى أعلى منصب يصل إليه أمريكي مسلم في أمريكا، كما شغل عدة مناصب في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. وعمل سفيرا للولايات المتحدة في أفغانستان أثناء الغزو الأمريكي لها ثم سفيرا في العراق أثناء الغزو الأمريكي كما لعب دورا رئيسيا في صياغة السياسات الأمريكية في منطقة غرب آسيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ظهر خليل زادة في وسائل الإعلام مؤخرا عندما استضاف كلمة للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب عن السياسة الخارجية. في المقابلة التالية تحدث خليل زادة عن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وعن الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرف ون المرشح الجمهوري للرئاسة ترامب. وفيما يلي نص الحوار:
*ما هي الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا في العراق؟
- يقول الكثيرون إنه لم تكن لدى الإدارة الأمريكية خطة للتعامل مع الوضع في العراق بعد غزوه. والحقيقة أنه كانت هناك خطة، وقد كنت المبعوث الرئاسي للعراق قبل إعلان تعيين بول بريمر في هذا المنصب. وكنت مطلعا على خطط ما بعد الغزو الذي كان بمثابة تحرير للعراق وليس احتلالا له. فقد سلمنا السلطة سريعا إلى العراقيين. وقمنا بتعيين سلطة مؤقتة وأعدنا تشكيل الجيش العراقي لكي نتخلص من العناصر التي اعتادت على ممارسة التعذيب والقمع.
حل الجيش العراقي
* ولكن هل كان التفكيك الكامل للجيش العراقي الخاضع لسيطرة حزب البعث جزءا من خطة أمريكا لمرحلة ما بعد الغزو؟
- لم يكن حل الجيش العراقي جزءا من الخطة. وعندما أصبح السفير بريمر رئيس سلطة الاحتلال للعراق، قال للعراقيين إن خطة تسليمهم السلطة في بلادهم لم تعد صالحة. وقرر تشكيل حكومة عراقية يتولى رئاستها. وأثار هذا الموقف سخط الكثير من العراقيين الذين أيدوا الغزو في البداية. كما كان يجب أن تكون عملية اجتثاث البعث قضائية ليتولى القضاء تحديد العراقيين المنتمين لحزب البعث الذين يجب إبعادهم عن عملهم والعراقيين الذين لا يستحقون هذا الإجراء، ولكن ما حدث هو أنها تحولت إلى عملية سياسية وكان هذا وصفة سحرية للكارثة التي حلت بالعراق.
فوضى الشرق الأوسط
* هناك اثنان من المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكية هما بيرني ساندرز ودونالد ترامب يقولان إن الفوضى التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط بدأت بغزو العراق. فهل توافق على هذا الطرح؟
- لقد كانت المنطقة تعج بالصراعات والاضطرابات قبل الغزو الأمريكي للعراق، مثل الحرب الإيرانية العراقية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان والحرب الأهلية الأفغانية وظهور تنظيم القاعدة، والقائمة تطول. وبعد الانتصار الأمريكي في الحرب الباردة، اعتقدنا أننا أصبحنا القوة العظمى الوحيدة في العالم وأننا نستطيع تغيير الأمور. ثم ظهر الإرهاب كقضية في الوقت نفسه.
فشل ديبلوماسي
* يبدو أن الولايات المتحدة تكافح من أجل صياغة معادلة تضم أفغانستان وباكستان والهند، فكيف ترى المستقبل؟
أحد أشكال فشل دبلوماسيتنا كانت عندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان، حيث نظرنا إليه باعتباره عدو خطير وقوي. وشعرت الولايات المتحدة بالفزع، وقد استوعبت واشنطن فقدان الحكومة الصديقة في إيران بعد قيام الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم حليفها الشاه رضا بهلوي عام 1979. ولكن رد الاتحاد السوفيتي على الثورة الشعبية ضد الحكومة الشيوعية الموالية له في أفغانستان كان عنيفا لذلك اعتمدت الولايات المتحدة على باكستان لكي تكبد الاتحاد السوفيتي خسائر باهظة في أفغانستان ومنعه من التوسع في المنطقة. وعندما بدأ السوفييت يبحثون فكرة الانسحاب من أفغانستان لم نصدقهم في البداية. وعندما انسحب السوفييت من أفغانستان لم يكن لنا وجود مؤثر فاشتعلت الحرب الأهلية فيها، ودخلت القوى الإقليمية إلى المشهد ثم ظهرت حركة طالبان وتنظيم القاعدة. ولم يكن يجب أن نتعاقد مع باكستان لكي تتولى ملف المقاومة الأفغانية، لأننا تعاقدنا مع باكستان للقيام بهذه المهمة، ثم تعاقدت هي بدورها مع مجموعات مسلحة من اختيارها لمقاومة الوجود العسكري السوفيتي.
العامل الباكستاني
*في اعتقادك هل تتصور أن هذه الاستراتيجية صالحة الآن؟
- في مرحلة ما بعد طالبان الأفغانية استمرت السياسة الباكستانية على طابعها المعقد. فمن ناحية قدمت باكستان نفسها كصديق للولايات المتحدة. وقد حضرت العديد من اللقاءات بين الرئيس مشرف والرئيس بوش. كما أن الباكستانيين قدموا لنا الكثير مثل السماح باستخدام المجال الجوي الباكستاني والقواعد وألقوا القبض على بعض المطلوبين أمريكيا. كما وجه مشرف رسالة إلى حكومة طالبان الأفغانية يطالبها بالتخلي عن تنظيم القاعدة رغم معارضة جهاز المخابرات الباكستاني لهذه الخطوة. ولكن سرعان ما بدأ الباكستانيون المسار الثاني لسياساتهم حيث وفروا ملاذا على أراضيهم لمقاتلي طالبان وشبكة حقاني الأفغانية. وقد كنت أول مسئول أمريكي يتحدث عن توفير باكستان ملاذات آمنة لطالبان ومقاتلي شبكة حقاني. ولم يكن بعض زملائي في الإدارة الأمريكية سعداء بحديثي عن باكستان. وقد أعلنت هذه القناعات من أجل لفت نظر الحكومة الأمريكية. كما أردت أن يعلم الأفغان أننا نعرف الشيء الذي يرونه بوضوح. وقد كان التحالف الذي نقيمه مع الأفغان يواجه الخطر إذا لم نبلغ الأفغان بما نعرفه. وكان هناك مسئولون أمريكيون كبار لا يصدقون ما قلته. فقد كان مشرف صديقنا ويرتبط بعلاقات جيدة مع وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت كولن باول. ولم يكن هؤلاء المسئولون الأمريكيون يصدقون أن صديقهم مشرف يمكنه أن يرسل مقاتلين لكي يقتلوا الأمريكيين في أفغانستان. أنا لم أخترع هذه الأمور فقد كان لدي نفس الوثائق المتاحة لدى زملائي في الإدارة الأمريكية. وقد احتاجت المخابرات الأمريكية لبعض الوقت حتى تدرك طبيعة اللعبة المزدوجة التي تمارسها باكستان. وقد ذكرت هذا للرئيس بوش ذات مرة، فاتصل بمشرف وقال له إنه يشعر بقلق شديد مما يحدث في باكستان وقال إنه سيسافر إليه ليعطيه التفاصيل. ولم يكن الرئيس بوش يصدق أن مشرف يعرف ما تقوم به بلاده في أفغانستان. ولكنني كنت أعتقد أنه من الصعب ألا يكون مشرف على علم بما يحدث. وقلت إنه إذا لم يكن لدينا معلومات استخباراتية مؤكدة على أن مشرف يحضر هذه الاجتماعات ويوافق على ما تقوم به دوائر في نظام حكمه لصالح طالبان الأفغانية، فهذا يرجع إلى فشلنا الاستخباراتي وليس لأن مشرف لا يفعل ذلك. فالرجل جنرال ولذلك من غير المحتمل إن لم يكن من المستحيل ألا يكون على علم بما يجري. فالمسلحون يستهدفون الأمريكيين في أفغانستان انطلاقا من بلاده، لذلك فقد سافرت إلباكستان واجتمعت مع مشرف. وقد نفى أي وجود لطالبان الأفغانية على الأراضي الباكستانية. وقال لي «حدد لي عناوينهم وأرقام هواتفهم»، لذلك أدركت أن اللقاء مع الرجل مجرد إهدار للوقت. كما أنك لن تستطيع الوصول إلى حقيقة حسابات المسئولين الباكستانيين. فهم يقولون إن الهند العدو اللدود لبلادهم ترتبط بعلاقات وثيقة مع قوات تحالف الشمال الأفغانية وتمارس نفوذا قويا على حكومة كابول. وأن القنصليات الهندية تبيع السلاح أو تقدم السلاح لفصائل المعارضة الأفغانية وغير ذلك من المبررات.
عودة التوازن
* هل يمكن أن يعود التوازن إلى المنطقة في المستقبل القريب؟
-الحقيقة أن السياسة الأمريكية لم تتمكن من العثور على صيغة تستوعب كل المعادلات التي تضم الهند وباكستان وأفغانستان وتخرج بنوع من التوازن العملي في المنطقة. وأفغانستان بدرجة ما ضحية، ورغم أنها تتحمل قدرا من المسئولية لما تعانيه، فإنها بدرجة كبيرة تعاني من نتائج حسابات الآخرين. والعداء الباكستاني نحو أفغانستان قائم منذ قيام دولة باكستان أواخر النصف الأول من القرن العشرين. فقد كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي صوتت ضد طلب انضمام باكستان إلى الأمم المتحدة في ذلك الوقت. كما أن النزاع الحدودي بين الجانبين وفر الظروف التي دفعت الأفغان إلى طلب المساعدة من السوفييت. وقد كان الأفغان يريدون علاقات ودية مع الولايات المتحدة، لكن الأخيرة أصرت على اعتراف أفغانستان بالحدود الباكستانية. وقبلت أفغانستان المساعدة السوفيتية. لذلك فما هو التوازن الذي يمكن أن يكون مفيدا في المنطقة؟ ربما كان تسوية النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير. أنا لا أعرف ما الذي يمكن أن يساعد باكستان على تجاوز الحاجز النفسي تجاه الهند التي مازال الباكستانيون يعتبرونها تهديدا لهم. ثم إن باكستان لديها نزعتها الاستعمارية الخاصة بها. فكونها قوة نووية ربما يجعلها تتطلع إلى أن تصبح إمبراطورية تسيطر على أفغانستان ودول آسيا الوسطى. ربما يمكن الوصول بالفعل إلى نوع من التوازن لكن الأمر سيحتاج إلى قدر من الوقت.
رؤية ترامب
*استضفت كلمة دونالد ترامب عن سياسته الخارجية، فكيف ترى حديثه عن المسلمين ورؤيته لعلاقات أمريكا مع العالم الإسلامي؟
-أعتقد أن لأمريكا الحق الكامل في ألا تسمح للأشخاص الذين لا يعرفون أمريكا بدرجة كافية أو الذين يمكن أن يشكلوا تهديدا أمنيا لها بالدخول لأراضيها. أنا كأمريكي أدعم هذا الحق. بالتأكيد فأمن بلادك هي مسئوليتك الأولى. لكن أعتقد أنه سيكون من الخطأ القول إن كل المسلمين موضع شك أو اشتباه. فهذا خطأ تماما. وهو خطأ ليس فقط من الناحية الأخلاقية وإنما أيضا من الناحية الواقعية. فأنا مسلم ووصلت إلى أعلى المناصب. فقد كنت سفيرا في دول تخوض فيها أمريكا حروبا وبالتالي كنت أطلع على المعلومات العسكرية والمخابراتية الأمريكية. ولم يكن يمكن لأي شخص أن يشكك في ولائي لأمريكا. وليس من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع 1.6مليار مسلم في مختلف أنحاء العالم باعتبارهم شخص واحد ويؤمنون بنفس الشيء ويحملون نفس القدر من العداء لأمريكا. فهناك اتجاهات متنوعة في العالم الإسلامي وصراعات عديدة حول معنى أن تكون مسلما في العالم الحديث. وأمريكا نفسها تتكون من مجموعات من البشر من مختلف الأصول العرقية والدينية وقد صهرتهم معا في بوتقة واحدة.
ويجب على الولايات المتحدة تشديد شروط الهجرة إليها وأنا أؤيد ذلك من أجل التركيز على الاعتبارات الأمنية وضمان السماح لأفضل المهارات والمواهب فقط بالهجرة إليها. وأنا أؤيد إصلاح نظام الهجرة لكن من الخطأ أن تضع كل الناس في سلة واحدة.
أمريكا أولا
*هل يمكن أن تنضم في المستقبل إلى فريق ترامب؟
- أنا مدين لأمريكا بالكثير. فقد جئت إليها من منطقة نائية في أفغانستان ولم أستطع أبدا تخيل ما وصلت إليه الآن. لذلك فأنا معني بأمريكا وبدورها في العالم وبالمصالح الأمريكية وبالقيم الأمريكية. وسأقوم بكل ما في وسعي لمساعدة أمريكا. وإذا أصبح السيد ترامب رئيسا وأراد أو احتاج مساعدتي لتطبيق استراتيجية حكيمة فسوف أساعده. وشعار «أمريكا أولا» لا يعني انعزالها عن العالم ولكن يعني نشر القيم الأمريكية حول العالم.
- فارجيس جورج