(فاينانشال تايمز) - بريطانيا:
من دك تشيني إلى دونالد رامسفيلد، أصبحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تعرّف بشخصياتها الأكثر حدية، ولكن واحدًا من أكثر الأفراد غموضًا، والذي لعب دورًا هاما في حروب حقبة بوش بعد ذلك، هو زلماي خليل زاد، الدبلوماسي اللامع الذي تسلم أعلى منصب يصل إليه أمريكي مسلم في البيت الأبيض وقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والذي نشر مذكراته مؤخرا في كتاب بعنوان: المبعوث .. من كابول إلى البيت الأبيض، رحلتي عبر عالم مضطرب، الصادر عن دار سان مارتن للطباعة في 336 صفحة. ولد خليل زاد في شمال أفغانستان، وكان ابنًا لمسئول محلي، وتدرج في المناصب حتى أصبح سفيرا للولايات المتحدة في كل من وطنه الأم ثم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي. وإلى جانب كونه أحد حاملي أختام المحافظين الجدد، كان خليل زاد أيضًا على دراية كاملة بالشرق الأوسط، وهو الشيء الذي كان ينقص زملاءه الآخرين المغالين في الثقة بأنفسهم. وإذا لم يكن خليل زاد قد تورط بعمق في واحدة من أكبر عثرات الولايات المتحدة في التاريخ، وهو غزو العراق، فإن ذكرياته كان يمكن أن تقرأ كواحدة من أنجح قصص الانتصار في التاريخ الأمريكي. نشأ خليل زاد في بيئة مرفهة بمعايير مدينة مزار شريف الأفغانية، وهي ثالث أكبر المدن الأفغانية، بالرغم من أن معايير تلك النشأة لم تكن عالية، فقد كان واحدًا من ثلاثة عشر طفلاً، عاش منهم سبعة فقط، ولا يزال يتذكر ليلة وفاة أخته حفيظة، بعدما ظلت تبكي لعدة أيام، جراء معاناتها من التهاب الزائدة الدودية. في فصل الربيع، كانت قريته تتشح باللون الأحمر القاني المميز لزهرة الخشخاش التي يستخرج منها الأفيون، حيث يجلس القصاصون ليرووا قصص البطولة عن المعارك التي تعود إلى الأيام الأولى من الإسلام. وكان أفضل أوقاته للتسلية تلك التي يقضيها في إطلاق الطائرات الورقية حيث كتب في ذكرياته: «قبل أن تطلق طائرتك، يجب عليك أن تغمس الخيط في خليط رقيق من الأرز المغلي ومسحوق الزجاج، لكي تحولها إلى موس حلاقة طائر، لتستهدف خيوط طائرات منافسيك في الهواء». العام الذي قضاه في كاليفورنيا في بعثة تبادل طلابي أدار رأسه، وبعدما درس في الجامعة الأمريكية في بيروت أكمل دراسة الدكتوراه في جامعة شيكاجو، وكان ينوي أن يعود إلى كابول ويدخل عالم السياسة، ولكنه في المقابل قرر المكوث في الولايات المتحدة وعمل كخبير في الشأن الأفغاني، وساعد في تنظيم الدعم الأمريكي للثوار الذين كاوا يقاتلون الاحتلال السوفيتي.
أظهر خليل زاد ارتباطا قريبًا من مفكري المحافظين الجدد الذين بدأوا في بسط نفوذ قوي على الحزب الجمهوري وكان من أوائل الداعمين لسياسة تغيير النظام في العراق، إلى جانب تشيني ورامسفيلد وبول وولفويتز، كما كان عضوًا مؤسسًا لمشروع القرن الأمريكي الجديد، وهو مركز التفكير البحثي للمحافظين الجدد، الذي وُصف في سنوات كلينتون على أنه «القيادة العالمية الأمريكية»، وعندما فاز جورج بوش الابن بالرئاسة، كوفئ بوظيفة مرموقة في البيت الأبيض. لم يصبح «زال» - هكذا كانوا يداعبونه - عضوًا لا يمكن الاستغناء عنه للإدارة الأمريكية إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث يؤكد في كتابه: «لقد كنت أعلى أفغاني أمريكي ومسلم أمريكي مرتبة في البيت الأبيض»، ولكن مضى وقت قبل أن يلتفتوا إلى أهمية خلفيته كمسلم وأفغاني، حيث اعترف ولفويتز بعد ذلك قائلاً: «لقد كنا مشوشين في تلك الأزمة، حتى تذكرنا أن زال كان من أفغانستان». بعد سقوط كابول، كان هناك جدل داخل البيت الأبيض حول ما ينبغي فعله مع برهان الدين رباني، الرئيس السابق الذي خاض حربًا في صف المجاهدين ضد الاحتلال السوفيتي، ولكن خليل زاد أدهش زملاءه عندما قال لهم: «أستطيع أن أتصل برباني إذا رغبتم». بعدها أصبح خليل زاد مستشارًا مقربًا من بوش في الشأن الأفغاني، حيث استطاع أن يحشد الدعم الأمريكي لاختيار حامد كرزاي رئيسا للبلاد في النهاية، وفي عام 2003 عاد إلى كابول سفيرا لواشنطن. بالرغم من أنه كان قد دعا منذ وقت طويل للإطاحة بصدام حسين، إلا أن خليل زاد كان أيضًا من النقاد المبكرين لطريقة تنفيذ ذلك الغزو، وقال لبوش: إن الخطة الأولية التي كانت تتعلق بنقل السلطة استبدلت بـ «قوة احتلال مثل تلك التي حكمت اليابان المهزومة بعد الحرب العالمية الثانية»، كما قال إن حل الجيش العراقي كان «هدفًا سجل في مرمانا».
كان من الممكن أن يجعل خليل زاد كتابه يتصدر صفحات الصحف، لو أخذ كتابه اتجاهين اثنين، الأول هو أن يكتب عن الاعتراف بالذنب حول منحى الأحداث الدرامية التي جرت في العراق بعد ذلك، ولكنه في المقابل كتب فقط عن مغادرته العراق عام 2007 بعد عامين كسفير «محبط للغاية»، والاتجاه الثاني أن يجادل بأن الغزو كان يمكن أن ينجح لو كان قد نُفذ بطريقته، مثل تلك الحجة المخالفة للواقع كان يمكن أن تقنع بعض الناس، ولكن في حالة خليل زاد فإنه كان يمكن أن ينجح في ذلك تمامًا. في المقابل خاض خليل زاد في سرد ما كان يحدث في كواليس إدارة بوش، حيث لم يتحدث فقط عن تفاصيل فشل التخطيط لليوم التالي للغزو، ولكن أيضًا عن نقص الجاهزية الفكرية للبيت الأبيض. وقد أثنى على بوش لإصراره على أن الولايات المتحدة لم تكن في حالة حرب ضد الإسلام، وهو شيء يعد من الشجاعة السياسية خاصة في العام الأول من حكم الجمهوريين. ولكنه يتذكر أيضًا لقاءً مع بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر مباشرة عندما وصف حزن المسلمين من اضمحلال الحضارة الإسلامية بعد عصر قادت فيه العالم في التعليم والعلوم، وقال له إن «الحضارة الإسلامية كانت حضارة مستمرة وفي تقدم».
ولكن بوش قاطعه ممازحًا قائلاً: «على رسلك يا زال»، وهنا تدخل رئيس أركان البيت الأبيض أندرو كارد قائلاً: «أعتقد أن زال كان يشير إلى الإمبراطورية العثمانية»، وعن ذلك كتب خليل زاد: «وهنا أشرت برفق إلى أن ذروة الحضارة الإسلامية جاءت في وقت سابق على ذلك، فقد كان ذلك تحت قيادة العرب».
- جيف داير/ المراسل الدبلوماسي الأمريكي لصحيفة فايننشيال تايمز