د. حسن بن فهد الهويمل
ابتليت مشاهدُ أمتنا الفكريَّةُ، والسياسيةُ، والدينيةُ بكتبةٍ جُوفٍ، وإعلاميين غوغائيين، ومتنخوبين لجوجين، ومتعالمين مجازفين، لا يملكون إلا خلط الأوراق،وتأزيم المواقف، والتخبيصات المعرفية،التي لا تجنى منها المشاهد إلا بلبلة الأفكار، وتوتير الأعصاب، وتوهين القوى،وتثبيط العزمات.
وهؤلاء، وأولئك أوزاع بين :غَيُورٍ لجوج، يحلم بـ[عصا موسى] و[ملك سليمان].
وتبعيٍ متذيلٍ، يَرَى أن صِبْغة {المدنية المادية} خيرٌ من صِبْغَةِ (الله)، مع إمكانية التوفيق بين الصبغتين.
وفيما بين هؤلاء، وأولئك أطيافٌ متشاكسون، كإبل مئة، لا تكاد تجد فيها راحلة.
وكل أولئك : إما جهلة حقهم التعليم. أو ضُلاَّل حقهم الإرشاد. أو مأجورون حقهم التعرية. أو مستقيمون على الطريقة حقهم التأييد والنصح.
والعقلاء العارفون المجربون بين [حوادث الزمان]، و[أحداث السِّنِّ]. مثلهم كمثل [خراش] لا يدرون بأي مهمة ينهضون، ولا إلى أي فئة يتحيزون، ولا مع أي قضية يختصمون.
هل يُصَحِّحون المفاهيم. أو يَتَصدَّون للمتذيلين. أو يروِّضون جماح المهتاجين؟.
والسمة الطاغية لهؤلاء، وأولئك أنهم في كل أودية المتناقضات يهيمون.
فكل مكون سكاني مغرر بمتنفذيه، يُسْقط خطأه، وخَطله على غيره، مدعياً أنه لا معقب لرؤيته.
وفي خِضم التداعيات،لا أكون مبالغاً إذا قلت : إن أمتنا العربية تعيش زمن التيه الميؤوس منه، وبوادر أمورها لا تبشر بخير.
وحين تسود الفتن، وتستفحل الفوضى، يكون خيار الاعتزال مشروعاً، تمشياً مع حديث:- [ولَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الموتُ].
فالعض على جذع الشجرة تعبيرٌ رمزي عن اليأس، والإحباط، والقنوط، وتحريضٌ على اعتزال الفتن، حين لا يكون بالإمكان احتواؤها، والسيطرة عليها.تمشياً مع آية الضعف:- {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} وآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
مشهدنا العربي يفيض بالمتناقضات، والمغالطات، والمناكفات، وتبادل الاتهامات، وهو بهذا يتآكل، ويُسَارِعُ الخطى، لتحقيق خارطة الطريق المرسومة لمشرقنا العربي.
ناسه خطاؤون إسقاطيون، كلٌّ يدعي الملائكية، والتعالي على النقد، والمساءلة. وأعداؤه أذكياء، غير أزكياء،يجرون في مفاصله مجرى الدماء في العروق.
تدق أجسامهم، حتى لكأنها جسم [المتنبي] الذي وصفه بقوله: [لَوْلا مُخَاطَبتِي إِيَّاك لَمْ تَرَنِي]. وتَكْبُرُ، حتى لكأنها الجبالُ الراسيات، والبحارُ الزاخرات.
والمتنخوبون، والمتعالمون في أمتنا تجتالهم الشائعات، وتصرفهم المفتريات. وحين تكون المقدمات خاطئة، تكون النتائج بالضرورة خاطئة.
ومن ذا الذي يجني من الشوك العنبا؟.
كل مانسمع،ومانقرأ تجاذبات خارج المتن، لا تشفي صَدْراً، ولا تستل سخيمة، ولا تُقَوِّم مُعْوجاً.
الكِذْبةُ الكبرى التي أطلقها اللاعبون، وتلقاها المتنفذون النفخُ في الأقزام، والتضليل بالأوهام، والادعاء بأن الإسلام، ومؤسساتِه مصدر الإرهاب، وحاضن التطرف.
والكتبة الجوف يتلقون هذه الإطلاقات الكاذبة على أنها فصل الخطاب، ورهاناتهم تقوم على تلقي الزيوف.
[الإرهاب] لا هوية له، ولا قدرة على التفريق بينه،وبين المقاومة، وردود الأفعال. إنه مرتبط بتنظيمات متناقضة، مصنوعة بذكاء، ومدعومة بقوة من دول كبرى، أنشأتها، لتقضي من خلالها أوطارَها. وتحقق بوحشية فعلها مصالحَها وتفرض [أيديولوجياتها].
تدعي عدم شرعية تلك المنظمات، وتتظاهر بمقاومتها، لكنها تتعهد ببقائها قوية مقدوراً عليها.
وحين نمضي مع تلك المغالطات، نُبْقِي على الفتن، بل نزيدها تجذراً واتساعاً.
الوضع العربي أكبر من تفجير هنا، وهناك، وحجم المؤمراة أكبر من كل المسميات.
هذه التنظيمات الإرهابية المصنوعة على عين اللاعب الأكبر، تدعي الإسلام،لتخادع المغفلين، والسذج. وتعطي مصطلحاته مفاهيم خاطئة. كـ[الجهاد] و [الحاكمية] و[التكفير] و[الولاء] و[البراء] و[دار الإسلام]. ثم يتلقاها الموغلون في الشبهات بهذه المفاهيم، ويسعون لإسقاطها . والواجب أن ينهضوا بمهمة التصحيح لمفاهيمها ، لأنها من المكونات الرئيسة للإسلام.
لقد وجد المناوئون للقيم الإسلامية الفرصة مواتية،حين أعطيت مصطلحاته مفاهيم، ومقاصد خاطئة، لا يستقيم أمر الإسلام معها، ولا يقوم الإسلام بدونها .
وبدل أن يصححوا المفاهيم، سعوا لإسقاطها، إذ بسقوطها يفقد الإسلام وجوده السوي. وماعلموا أنه باق ما بقي القران المحفوظ بتعهد رباني.
إن [الصِّبغة] المنشودة، لن تتأتى في ظل القبول بالمفتريات الضالة.
وصراع الصِّبْغتين :- {صِبْغَةَ اللّهِ} القائمة على الدين، والسمة، والفطرة، و[الصبغة المادية] القائمة على العلم بظاهر الحياة الدنيا صراعٌ أزلي، تتعدد مجالاته، وتتنوع آلياته. وليس لمن شُرِّفَ بخدمةِ المقدسات إلا [صبغة الله] فبها تكسب الرضى والدَّعم من عالمنا الإسلامي.
وأمتنا اليوم تخوض الصراع بين مكوناتها السكانية، ممثلة بنخبها، وعُلُمائِها، ومع الآخر المؤسسي الأقوى، دون أن تُحَرِّر مسائلها، و تصحح مفاهيمها، وتستوعب معارفها.
والنخب المعول عليهم يتبادلون الاتهامات، والاقصاءات، واستعداء السلطات على المخالف فيما بينهم.
والناصحون لأمتهم من يمارسون التقريب بين وجهات النظر، والتلطف في تصحيح المفاهيم، والتحذير من التنازع الذي يصب في مصلحة الأعداء.
إن لحن القول المتفلت من بعض ألسن الخصوم يشير إلى ما في الصدور من الضغائن، و الأحقاد، ومافي [الأجندة] من رغبات الاحتلال، والتقسيم :الطائفي، والآقليمي، وسبيل ذلك كله تفكيك الجبهات الداخلية، وتغذية الصراع بكل أبعاده.
للحديث صلة..