غسان محمد علوان
صادفتنا في هذه الصائفة بطولتان دوليتان كبيرتان أعادت لنا متعة كروية افتقدناها كثيراً على مستوى المنتخبات. ففي قارة أمريكا الجنوبية، استمتعنا كثيراً بالقتالية والمواهب الصرفة التي تحاول في كل كرة أن تخرج من تحت غطاء التكتيك والالتزام الفني، لتُمتِع وتستمتع. وفي المقابل رأينا في القارة العجوز، كيف أن الكرة أصبحت علماً، وأن وفرة النجوم لا تعني بالضرورة أنك المنتخب الأقوى، وأن تاريخك الكروي إن لم تبنِ عليه منجزاً جديداً فسينقض على صدرك بكل ثقله جاعلاً وقع الهزيمة عليك أقوى من غيرك.
فازت تشيلي وفازت البرتغال، وقد يرى البعض أن البطلين لم يكونا الأمتع أو الأجدر، وأن هناك من استحق اللقب أكثر منهما. لكن الذهب استقر في أحضان من عرف كيف يستدرجه إليه.
الملاحظ هنا، أن الغالبية العظمى، وبسبب ميولهم الكروية لفرق أوروبية معينة وبالذات (ريال مدريد وبرشلونة)، حرموا أنفسهم من فرصة الاستمتاع الحقيقي بكرة القدم. وتم نقل أسلوب الاستهزاء و(الطقطقة) الذي لم يعد الكثير منا داخلياً ممارسة أي شيء غيره إلى المنافسات الدولية بشكل مثير للاشمئزاز. لم تعد الغالبية تتابع كرة القدم حباً في (س) أو عشقاً لـ (ص)، بل العكس تماماً. أصبحت كراهية هذا وبغض ذاك هي مصدر الحماسة والتشجيع.
فكيف تتجاهل هذا المنجز التاريخي للبرتغال المتمثل في البطولة الكبرى الأولى تاريخياً، كرهاً في كريستيانو رونالدو؟ وكيف لا تعطي هذا اللاعب الأسطوري بإنجازاته حقه من المديح وهو يعادل الرقم التاريخي لميشيل بلاتيني في عدد أهدافه في بطولة أمم أوروبا؟
كيف تتغنى بخسارة (أعيد وأكرر: تتغنى بخسارة) منتخب الأرجنتين نكاية في ليونيل ميسي أحد أساطير التاريخ الكروي، ولا تتأثر بدموع هذا المبدع الذي عانده الحظ كثيراً مع منتخب بلاده لتحقيق بطولة من العيار الثقيل بعد أن تجلّى هذا الاستثنائي في البطولة؟
كيف لا تحترم وتُعجَب بالتقاليد الإيطالية التي تعرف تماماً ماذا تريد من التسعين دقيقة، وتعمل على تحقيق الفوز بطريقتها الخاصة؟ بل كيف لا يؤثر فيك مشهد الانكسار الذي كان عليه أحد أساطير العالم في الحراسة (جيجي بوفون) وهو يودع البطولة؟
كيف لا تعشق نظام ألمانيا؟ كيف لا تتغنى بجمالية أداء إسبانيا؟.
أعراف كروية جديدة بدأنا نعيشها، مصدرها الشماتة ولا شيء غيرها. تلك الشماتة التي أصبحنا نتنفسها داخلياً، ونسعى بكل سذاجة لنقلها معنا خارجياً. فأصبحنا مثل ذلك الذي يتمشى في حديقة غنّاء تكتظ بالورود العطرة، فيختار واحدة منها (اعتباطاً) ويشمئز من البقية التي توازيها أو تفوقها جمالاً وشذا.
دعوا سوء تعاطينا مع جمالية الكرة داخل حدودنا، فإن كنا لا نستطيع الاستمتاع بها داخلياً فلا تحرمونا من الاستمتاع بها خارجياً.
خاتمة:
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
(أبو تمام)