خالد بن حمد المالك
من المبكر جداً تفسير ما حدث من زلزال في تركيا، فقد جاء أكبر من أن يتم فهمه في أيام محدودة، أو الادعاء بأن المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتداعياتها، والقرارات التي تزامنت معها، أصبحت مستوعبة، فكل ما جرى رصده وأعلن عنه إلى اليوم من تفاصيل كانت من جانب واحد، هو جانب الحكومة الشرعية التي تمسك بزمام الأمور بتفويض وانتخاب من الشعب ولا توجد جهة أخرى تتحدث عن الانقلاب، أو تجيب على بقية الأسئلة عن هذا الزلزال الدامي الذي حل بأنقرة واسطنبول، وامتد تأثيره إلى بقية أراضي الجمهورية التركية في ساعات محدودة.
* *
غير أن ما يمكن قوله: إن الجيش التركي وبقية مؤسسات الدولة القضائية والتعليم وغيرها كانت مخترقة إلى حد كبير، وأن المؤامرة لم تقتصر على عدد محدود من المسؤولين العسكريين والمدنيين، وأن من تآمروا على النظام يعدون بعشرات الآلاف، وبشكلٍ أظهر أن بنية الجيش - تحديداً - كانت مضروبة ومعرضة للانهيار في أي وقت، وأن مثل هذا الانقلاب الفاشل كان جاهزاً منذ زمن في انتظار تحديد ساعة الصفر، التي عادة ما يكون توقيتها سبب فشل هذا النوع من الانقلابات العسكرية، لأسباب موضوعية وأخرى استخباراتية، وأحياناً بسبب تسريب أسرارها بعدم انضباطية عناصر فيها، وفي مقابل ذلك مدى جاهزية الطرف المستهدف فيها للاستعداد المبكر لإفشالها.
* *
في حالة تركيا، لم يكن الأمر واضحاً للرئيس أردوغان وحكومته ولمجلس النواب وللعناصر الموالية له في الجيش، وحتى لأحزاب المعارضة التي نددت بالانقلاب، ليتم الاستعداد لمواجهتها، فقد فوجئ الرئيس وحكومته، أن من يقود الانقلاب الفاشل رموز وقيادات كبيرة في الجيش مدعومين بعناصر في جهاز القضاء، وآخرين في أجهزة حكومية أخرى، وأن أعداداً من الطائرات والسفن الحربية والعربات ومعدات وأسلحة كثيرة وقواعد عسكرية ومحطات تلفزة أصبحت تحت سيطرة من قاموا بالانقلاب الفاشل، وفق تخطيط مسبق، بما لا قدرة لإفشالها بهذه السرعة، وبهذا التكتيك، بما في ذلك حماية الرئيس أردوغان من التصفية الجسدية أو إلقاء القبض التي تم تنبيهه لها قبل نصف ساعة من الموعد المحدد، لينجوا بأعجوبة، ومن ثم يشرف بنفسه على إنهاء التمرد سريعاً، وبشكلٍ لافت.
* *
وهناك عشرات الآلاف ممن تم إلقاء القبض عليهم أو فصلوا من أعمالهم، أو منعوا من السفر، أو أوقفوا من العمل، حتى يتم التحقيق معهم متهمين بصلة لهم في الانقلاب، وكل هؤلاء سيكونون عرضة للمحاكمة، وفق القانون، كما تصرح الحكومة الشرعية بذلك، وستكون هناك إجراءات مشددة بحق كل من يثبت إدانته بالاشتراك في الانقلاب الفاشل، غير أن هذا العدد الكبير من الآلاف الذين شملهم الإجراء يظهر لنا حجم المؤامرة، وتأثير الانقلاب على هيبة الجيش التركي، وتأثره أيضاً بما حدث إلى حين، ما يعني أن أمام تركيا فرصة لمراجعة شاملة تقوم بها لكل مؤسسات الدولة لإصلاح ما أعطبه الانقلاب، والعودة إلى ما كانت عليه كقوة عسكرية واقتصادية ضاربة في المنطقة.
* *
على أن ما ينبغي أن تقوم به تركيا - وهذا مهم - في ضوء هذه التطورات الخطيرة التي مست أمنها واستقرارها ومكانتها كدولة كبرى في المنطقة، أن تعيد النظر في علاقاتها الخارجية، وان يتم تركيزها على الشأن الداخلي كأولوية في سياساتها، على أن يصاحب ذلك خارجياً التخلي عن بعض القناعات التي تأخذ بعض الوقت في جهدٍ ربما أشغلها عن ما هو أهم، وبالنسبة لنا كمراقبين فعلينا التريث في الاستنتاجات والتحليلات غير الواقعية لما حدث، وانتظار الإجابات على ما تبقى من أسئلة لدينا عن هذا الانقلاب إلى أن تعلن التفاصيل عن نتائج محاكمات المتهمين التي وعدت الحكومة الشرعية المنتخبة بأنها ستكون عادلة، لنلامس بذلك هذا الحدث عن معرفة ودراية وعلم، بما في ذلك إن كانت هناك علاقة للمعارض فتح الله غولن والتنظيم الموازي لهذا الانقلاب الفاشل.