ناصر الصِرامي
أتذكر في محاولات شخصية مبكرة جداً، والتي في وقتها تعد متقدمة على أفكار السوق وقد يكون هذا سبب فشلها!، إلا أن هذا ليس الموضوع لكن هو أيضاً بعض المعنى. قبل خمسة عشر عام على الأقل كانت فكرة التسويق الإلكتروني تتملكني، قبل أن أعرف الحكمة الذهبية من رجال أعمال وأصدقاء كأنوا يرددون باستمرار: (لا تقع أبداً في حب فكرة تجارية.. أو حتى مشروعك الحلم. «Don›t be in love with your business».. حكمة انقلها للجميع.. فأحياناً مهما كنت مرتبطاً عاطفياً بمشروعك، إلا أنك مطالب بالقيام بعملية تجريدية دقيقة بين العاطفة والمال..!.
لكن لنتذكر أن الشغف بالمهنة أو بالمشروع أو بالفكرة لا يتعارض مع هذا الإجراء أو التحليل الموضوعي التجاري بحساب الربح والخسارة، معادلة مهمة لخلق التوازن الفعلي، مع السوق ومتطلباتها والشغف أو الحب أو العشق لفكرة.. هذا التوازن والفحص هو معمل الاختبار الحقيقي للأفكار على الأرض.. قد تكون الإجراءات مؤلمة نفسياً لكنها مفيدة في النهاية للنتائج المالية!.
القطاع الخاص السعودي لم يكن طريقه دائماً مفروش بسجادة حمراء وورود، حتى وصل اليوم إلى نمو مقبول، في ظل منافسة حقيقية حكومية أو لصالح قوى مؤثرة في كل قطاع. وهو أيضاً ليس مثالي أبداً ولا بفترض، حيث تحركه بشكل مطلق غرائز الكسب السريع، وهذ أمر مفهوم وطبيعي!.
لم تكن مهمته سهلة، ولا أعتقد أيضاً أنها كانت صعبة، إذا توفرت الفرص والمال والشجاعة وشبكات علاقات ضرورية. وهذا سر غرور هذا القطاع أيضاً.
الحقيقة التي يعرفها التجار جيداً اليوم، أنه وفي الماضي القريب، عشر سنوات للوراء أو أكثر بقليل، لم يكن الوضع مثالياً أبداً، كان هناك الكثير من البيرقراطية والفساد، لكنها على كل سلبيلتها لم تكن تعيق حركة القطاع الخاص.. كما أنها لم تكن تساعده بالضرورة، لكنها أخلت في توازنه، لكن بشكل لا يشبه المشهد اليوم.
فالحالة مختلفة بالكامل، والصورة مقلوبة رأساً على عقب، صحيح أننا أو هذا يفترض، ندخل عصر الرؤية بعناوينها الكبيرة، وبرنامج التحول الوطني الذي إطلاق الكثير من الأمل.
لكن الحقيقة غير المريحة في المقابل تكمن في حجم المطالبة من القطاع الخاص، والتوقعات ليكون جزءاً فاعلاً ومؤثراً في الاقتصادي الوطني وطموحاته المتجددة، بينما هو مكبل بحجم هائل من البيروقراطية، التي تبدأ من تداخل أو تضارب مطالب الأجهزة الحكومية وإجراءاتها، وصولاً لوضع ونظام العمالة المعقد.. وغير المرحب بفتح الأسوق حتى لأبنائه!.
مطلوب من القطاع الخاص المشاركة التنموية، وتوظيف السعوديين، استقطاب استثمارات مشتركة إقليمية ودولية في قطاعات حيوية وضرورية وإضافية، وتحفيز برامج المسؤولية الاجتماعية، ورعاية المناسبات الوطنية، ودعم الفقراء والمديونين. والدخول في مشروعات الخصخصة والبنية التحتية والترفيه والمدن الصناعية... إلخ.. مطلوب منها ذلك كله، بل وقد يكون هذا أقل الواجب الذي يقدمه للوطن، لكن لنتذكر ما ليس له، كيف فهو مكبل اليوم أكبر من أي وقت مضى.. ثم نريده أن ينقذنا..؟!.
المشاركة مسؤولية وواجب أيضاً، لكن لنعمل في الوقت نفسه على خلق توازن آخر، لنخلق مناطق حرة، لنرفع رسومها ونسهل إجراءاتها.. ونخفظ الهدر في الأعمال الورقية وسهولة الدخول والخروج واستقطاب المهارات المعقولة.. لنحرك القطاع الخاص بدل تكبيله، ونمنحه مساحة مقبولة.. ونفرض عليه رسوماً مستحقة للتحرك الرؤية أسرع.