محمد آل الشيخ
في تقديري أن هناك علاقة وطيدة بين (التخلف) وتفشي القناعة بالمؤامرة؛ فالإنسان عندما يشعر بالفشل والخذلان والهزيمة الحضارية يلقي تبعات فشله على (المؤامرة)، لأنها لا تحتاج منه إلى أي مواجهة حقيقية للبحث عن الأسباب والبواعث، والعمل على علاجها.
والعلاج هنا يتطلب تقديم (تنازلات) موجعة، يجد أنها تمس بهويته الموروثة عن أهله وذويه؛ لذلك تظل هذه الشعوب متخلفة، وفاشلة، وغير قادرة على الخروج من بوتقة أسباب تشوهاتها؛ فهم كالتلميذ البليد أو الكسول عندما يفشل في الاختبار، تجده لا يعترف بفشله ويحيل سبب رسوبه إلى رغبة مبيتة لدى معلمه أو إدارة المدرسة، وإلقاء اللوم على الآخرين؛ ومعروف أن الاعتراف بالحقيقة تحتاج دائماً إلى شجاعة وجرأة ورباطة جأش وثقة بالنفس؛ لذلك فإن الخطوة الأولى في علاج المرض هو تشخيصه، ولا يتسنى تشخيصه إذا لم يطلع الطبيب على نمط معيشتك، وحينما يصل إلى الأسباب يكون في الغالب قادراً على التشخيص وبالتالي العلاج.
ومن خلال نقاشاتي وحواراتي مع كثير من الأصدقاء أجد أن تعليق القضية، أي قضية، على أن ثمة (عدواً) خبيثاً يتربص بنا ويتآمر علينا، ويعمل على هزيمتنا هو الوهم المرضي الذي يستحوذ علينا، وفي رأيهم (الجازم) أن هنا فقط يكمن السبب وليس ثمة سبب آخر، وإلا فإننا وثقافتنا الموروثة وكل سلوكياتنا ونمط تفكيرنا (عال العال)، ولسنا إطلاقاً في حاجة لأي تغيير، لا في نمط تفكيرنا ولا في المرجعية التي نستقي منها قناعاتنا؛ لذلك ترى الأمم الأخرى التي استطاعت أن تواجه أخطاءها وتتخلص من موروثاتها وإعوجاجاتها تتقدم وتتطور من خلال عمل دؤوب يحاول الوصول إلى مكامن الخلل وبواعث الإخفاق ويسعى لإصلاحها.
كما أن (تحريم) تدريس العلوم العقلية التي تصقل العقل وتحرض على التفكير العقلاني، كعلم المنطق والفلسفة، ساهمت بلا شك بإن نكون أمة تكره العقل وتعلق أسباب الفشل على المؤامرة، ما جعلنا نبرئ الـ(أنا) بمعناها الجمعي من مسؤولية ما حل بنا.
وأنا هنا لا أنفي أن ثمة من يهمه أن نفشل، ومن مصلحته أن تكون لحمتنا الوطنية مهترئة، كالعدو الفارسي مثلاً، لينفذ إلى نسيجنا الاجتماعي، ويفعل فينا الأفاعيل، لكن هذا لا ينفي أن في ثقافتنا الموروثة ذاتها ما يضعف حصانة الجسد السعودي، ويقلل من قدرته على المقاومة، مايؤدي إلى أن النفاذ إلى قناعاته والتحكم فيها عملية سهلة.
داعش -مثلاً- استطاعت فعلاً أن تتسرب كما تتسرب الجراذي إلى عقول بعض الشباب الغض الساذج، فتجرده من غريزة (حب البقاء)، وتحرضه على الانتحار وتمزيق جسده ليفوز برضوان الله عليه؛ والسؤال: هل يمكن لهذه الفيروسات الشيطانية أن تعمل عملها لولا أنها وجدت في بيئتنا من هم على استعداد نفسي وعقلي والأهم (ديني) لقبول فكرة الانتحار؟.
أترك لكم الإجابة..
إلى اللقاء،،،