«الجزيرة» - تركي إبراهيم:
تقدم الإسلام نحو شبه جزيرة البلقان في بداية النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وذلك مع توسعات العثمانيين للبلقان، فاستولى العثمانيون على مدينة بلوفديف في سنة (765هـ 1363م) ثم استولوا على صوفيا في سنة (765هـ - 1385م)، وتوالت توسعات الأتراك العثمانيين لبلغاريا، وتم الاستيلاء على جميع أراضيها في سنة (796 هـ - 1393 م) وظل الأتراك يحكمونها أكثر من خمسة قرون.
الأثر البارز التي خلفته الحقبة العثمانية على بلغاريا كان في الاهتمام العمراني ببناء المساجد في المدن البلغارية. وتعد اليوم بعد مضي قرون على إنشائها ذات علامات بارزة في البلاد.
ويبرز في العاصمة البلغارية صوفيا مسجد بانيا باشي، الذي يعد تحفة معمارية فريدة، تبرز جمال العمارة العثمانية. ويتميز موقع المسجد الفريد في الوسط التجاري للعاصمة بجانب متحف صوفيا الوطني، ويستفيد المسلمون من الحديقة الخاصة بالمتحف لإضافة صفوف إضافية للمصلين في صلاة الجمعة، حيث إن مساحة المسجد لا تكفي عدد المصلين الذي تتجاوز صفوفه خارج المسجد بعشرات الصفوف لتمتد إلى الحديقة الداخلية لمتحف صوفيا الوطني. وتجري حالياً إعادة ترميم كاملة للمسجد، ولكن لأن القائمين على المسجد يعتمدون في الإنفاق على الترميم على ما يبذله المسلمون من صدقاتهم، وهي قليلة مقابل العمل الضخم الذي ينتظر المسجد، وهو ما يجعل العمل بطيئاً.
تاريخ المسجد
بني مسجد بنيا باشي الكائن في وسط العاصمة صوفيا أثناء الحقبة العثمانية في بلغاريا، تحديداً عام 1576. اشتق المسجد اسمه من جملة «Banya Bashi» التي تعني «الحمامات الكثيرة». ويقع المسجد الموجود حالياً على عدة برك وحمامات قديمة، حيث يمكن مشاهدة البخار يخرج من المصارف في أرضية المسجد بالقرب من الجدران. ويشتهر المسجد بقبته الضخمة ومنارته العالية.
حاليا، يعتبر مسجد بنيا باشي المسجد الوحيد المفتوح للصلاة في صوفيا ويستخدمه قرابة 8,614 شخص من أصل 1,170,842 مسلم هم عدد الجالية المسلمة في البلاد. حيث تم تحويل المسجدين الآخرين المتبقيين من العهد العثماني إلى كنيسة والآخر إلى متحف.
الطراز المعماري
بني المسجد وفقاً للطراز المعماري العثماني السائد في جميع مقاطعات الدولة العثمانية آنذاك على يد المهندس المعماري البارع معمار سنان (سنان الدين يوسف بن عبد المنان) الذي بنى هياكل معمارية مميزة وفريدة. ويتضح ذلك بشكل المنارة المخروطي، وطراز القبة الشبيه بمباني العثمانيين في تركيا كالجامع الأزرق وآيا صوفيا، وغيرها.
كان المسجد يعتبر مركزاً يجسد سيطرة المسلمين العثمانيين على البلاد، التي استمرت ما يقارب خمسة قرون (حتى الحرب الروسية العثمانية عام 1878 وخروج بلغاريا من سيطرة العثمانيين)، حيث كان الكثير من البلغار في تلك الفترة يعتنقون الإسلام طوعا، بالإضافة إلى هجرة الكثير من الأتراك للمدينة والبلاد بشكل عام. وكان المسجد وغيره من المساجد الأخرى تلبي حاجة المصلين.
بقي المسجد واحداً من أهم معالم صوفيا لفترة طويلة، لكنه تعرض للإهمال أثناء الحقبة الشيوعية من تاريخ البلاد (أي بعد الحرب العالمية الثانية حتى مطلع التسعينات من القرن الفائت). إلا أنه الآن عاد ليفتح أبوابه للمصلين الذين يأتون من كل أنحاء المدينة لأداء فريضة الصلاة.