«الجزيرة» - الهادي التليلي:
لم يكن يدور في خلد أسرته وهي تغادر مسقط رأسها جزيرة قرقنة التونسية الواقعة قبالة محافظة صفاقس التونسية هرباً من شظف العيش وجور الحكام بحكم صعوبة الحياة الجزيرية حينها في القرن 12 هجري أنه سيخرج من نسلها الزعيم المقاوم والديبلوماسي الحصيف ورائد النضال من أجل قضايا السلام أبو الوليد خالد بن أحمد القرقني، والذي عرف بصراحته وصدقه إلى حد الحدة، ولكنه في نفس الوقت بليغ ساحر في كلامه يشد السامع ويفتن المتلقي، شأنه شأن أبناء الجزر، حتى أنه كتب عنه في تأبينه أ. عبد الرحمن بن فيصل المعمر في جريدة الجزيرة ورحل عنيف اللسان عفيف الجنان «لقد كان رحمه الله بالفعل عنيفاً.. ولكن غالباً في الحق.. فهو لا يجامل ولا يداهن إذا اقتنع أن الموقف لا يحتمل المجاملة.. صريح في تعامله.. لا يعرف المراوغة رغم كونه دبلوماسياً.. يخشاه الكثير من أصدقائه لأنه يواجههم بما يحاولون إخفاءه وعدم التحدث فيه، ولكنه لا يكترث لذلك لأنه يؤمن بالحكمة القائلة صديقك من صَدَقَك لا من صَدَّقك، ومن يعرفه جيداً يتقبل منه صراحته لأنه يعلم أنها نابعة من محبته وغيرته على محدثه».
جذوره تونسية وتعود الى جزيرة قرقنة، ولد بعد عام واحد من احتلال فرنسا لتونس، انتقل والده إلى ليبيا.. عينه الوالي العثماني قائماً مقامه للنواحي الأربع بمنطقة طرابلس حتى وقوع الغزو الايطالي لها في سنة 1911م، شارك في الجهاد عن طرابلس، ونسق مع نشأت بك قائد الجيش العثماني بطرابلس في عمليات الجهاد، وكان له دور كبير ومشاركات فعالة في لقاءات وجهود الطرابلسية في مقاومة الاستعمار الايطالي، في بداية سنة 1920م ذهب المجاهد محمد خالد القرقني يرافقه السياسي والمجاهد مصطفى ميزران في زيارة الى الاتحاد السوفيتي، حيث اجتمعا مع زعيم الثورة الروسية البلشفية ومؤسس المذهب السياسي اللينيني ورئيس الحزب الشيوعي فلاديمير لينين، الذي من فرط إعجابه به صار يعتبره صديقاً شخصياً.
خالد بن أحمد القرقني يعد بلا منازع لسان حال المجاهدين الليبيين (وعلى الرغم من أن الاخوة الليبيين لا يتعرضون كثيراً لأصله التونسي ولانتمائه لجزيرة قرقنة إلا أنه يصر على أن ينادى بالقرقني).
واختياره لهذه المناصب لم يكن هكذا وإنما لفصاحته واتقانه الحديث بعدة لغات كالفرنسية والتركية والايطالية فوض للحديث باسم المقاومة الليبية مرسلاً للبرلمان الإيطالي قبل الفاشيين، وبعد هزيمة العثمانيين انتقل إلى اسطنبول ومنها إلى جدة تاجراً، تعرف عليه الملك عبد العزيز رحمه الله فعينه عضواً في مجلسه الاستشاري حيث عهد إليه الإشراف على السياسة الخارجية للمملكة وموفده الى اليمن 1932 وفلسطين أواخر الاربعينيات ومحاوراً لهتلر.. كما كان شاعراً فذاً وأديباً بارعاً، وله إسهامات في علم التوثيق الإداري والتأريخ، سيرته أثرى من كل تصور تصلح لأن تكون عملاً درامياً يعلم الأجيال ويرسخ مقولة أن المبدع أوسع من حدود الجغرافيا، وكيف أن من خرجوا هرباً من الجوع في جزيرة صغيرة بحثاً عن لقمة عيش كريمة تواصلوا مع كل زعماء العصر كالملك عبد العزيز ولينين وهتلر، وتزعم مناطق في طرابلس أيام الحكم العثماني، ثم تحول إلى مقاوم وطني ورمز لحركات التحرر.
المملكة العربية السعودية كرمته بأن اطلقت اسمه على أحد الشوارع، والحال أن الرجل الآن له شارع كبير جداً في الرياض باسمه.
كان خالد القرقني يقوم بأدوار خدمة لقضية ليبيا ثم القضايا الاقليمية باسم المملكة العربية السعودية.