يوسف المحيميد
صحيح أن ما سأكتب عنه لا يعد ظاهرة ملحوظة، ولا يتجاوز حالات فردية قليلة، أعني به خلاف الفتيات السعوديات مع عائلاتهن، وحدوث حالات هرب سواء في الداخل، أو الخارج، ولجوء بعضهن إلى مراكز رعاية الفتيات في الداخل، بحثا عن الأمان والإنصاف أمام هذا العنف الأُسَري، ومن ثم إعادة بعضهن إلى بيوت أسرهن، لمواجهة عنف أشد وأقسى، من قبل الأب أو الإخوة، بسبب هروبهن من المنزل!
وصحيح أيضًا أنه قد يكون الحل عند بعضهن الهرب عند السفر إلى الخارج، خاصة أن القوانين في معظم الدول الأجنبية تختلف تماما عن أنظمتنا، فهناك يتم التعامل مع الإنسان كشخص مستقل، حر، ومسؤول عن تصرفاته، خلافا لما لدينا من مفهوم العائلة، ونظامها، وتقاليدها المتوارثة، وطاعة الوالدين، والأخ الأكبر، وغيرها مما أصبحت في حكم العرف المتوارث!
وصحيح أيضًا أن لدينا قيود على حركة المرأة، وتنقلها، ومنعها من السفر، إلا بإذن ولي أمرها، مهما كبرت عمرًا، أو مكانة علمية، أو مركزًا وظيفيا، ومهما صغر ولي أمر عمرًا أو ثقافة ووعيا، وصحيح أن المرأة غالبا تحتاج موافقة ولي أمرها عند الدراسة والتوظيف وخلافهما، وصحيح أيضًا أن معظم الفتيات تعودن منذ الطفولة بألا يتصرفن لوحدهن في كثير من شؤون الحياة إلا باستشارة ولي أمرهن وموافقته، وصحيح أن معظم هذه الأنظمة يجب أن تندثر تمامًا، ويحل مكانها الاحترام، ثم الاحترام، ثم الاحترام!
أكرر هذه الكلمة ثلاثا، لأن هذا الوصف الحياتي للمرأة، على المستويين الرسمي والشعبي، جعل بَعضُنَا يعتقد أنها ملكية خالصة له، له كامل الحق في التصرف بها، بقوة القانون أحيانًا، وبقوة الأعراف والتقاليد أحيانا أخرى، حتى وصل اليقين ببعض الآباء، بأن عائلته ملكية خاصة له، كالعقار والسيارة وغيرهما، فبطاقة العائلة تماثل صك العقار، واستمارة المركبة، إلى درجة أن بعض الأسر تعاني كثيرًا مع عائلها في الحصول على هذا الصك (عفوا أعني بطاقة العائلة) لإنهاء بعض الإجراءات الحكومية!
نحن بحاجة ماسة إلى تغيير الكثير من أفكارنا ومفاهيمنا، حول العلاقات الأسرية، ليس على مستوى المرأة فحسب، وإنما في مختلف العلاقات الأسرية بين الآباء والأمهات من جهة، وبين أبنائهم من جهة أخرى، فالعلاقة القائمة على الاهتمام والتقدير والاحترام تختلف عن علاقة قائمة على الرقابة والتسلط والاستبداد بالرأي، والتحكم بالمصير!
ثمة فارق كبير بين العناية والوصاية، أن نعتني بأبنائنا، ونشعر بالمسؤولية تجاههم، لا يعني مراقبتهم والشك في تصرفاتهم، والوصاية عليهم، والخوف عليهم من الأخطاء، لأن ليس ثمة حياة كاملة صحيحة وخالصة من غير أخطاء، نعم علينا تنبيههم ونصحهم، ورفع مستوى وعيهم، ومن ثم منحهم الثقة الكاملة. وأيضًا علينا أن نستمع لهم أكثر مما نصبّ في أسماعهم النصائح والوصايا.