هلعت مدينة الرياض بأبشع جريمة على مر تاريخ المدينة، بعد أن قتلا والدتهما وحاولا قتل أبيهما وشقيقهما حين علمت أمهما التي اكتشفت مبكرًا انحرافهما الفكري، وهددتهما بإبلاغ الجهات الأمنية في حال عدم عزوفهما عن فكرهما، بعد علمها برغبتهما في السفر إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، فعارضتهما في ذلك وحاولت ثنيهما عن المضي في هذا الطريق، غير أنهما لم يسمعا لها.
التوأمان كانا من الطلاب المتفوقين في مدارس نجد بالرياض؛ ما يدل على تلقيهما عناية خاصة من قبل والديهما، قبل أن تظهر عليهما ملامح التشدد والتطرف. التوأمان وقعا فريسة الإرهاب ليصبحا حطب هذه الآفة (الإرهاب)، التي تغلغلت داخل المجتمعات، فأصبحت لوثة في أدمغة الشباب مثل الفايروس الذي ينتشر في جهاز الحاسب الآلي.
لم يكن عبدالرحمن فيض الذي عرفته عن قرب ابن الـ17 ربيعاً ضحية لأحد المغررين بل كان ضحية آفة الإرهاب نفسها، فبعد أن اجتاز الثانوية العامة بتفوق (98%) التخصص العلمي، واختبار التحصيل بنسبة (94%) هم رحمه الله - بالسؤال عن أي جامعة يلتحق وبماذا كان يحلم إلا أن الخيارات استقرت على جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو جامعة الملك سعود تخصص طب. الشهيد رحمه الله حزم أمتعته لقضاء إجازة عيد الفطر في تركيا بمعية والديه وجديه وإخوانه إلا أن آفة الإرهاب كانت بانتظاره لتدخل رصاصة الغدر في رأسه ويفارق الحياة تاركاً وراءه حلم شاب سعودي أراد أن يخدم وطنه ودينه.
«أليس لوسوسير» في كتابها لماذا يتحول الأطفال الطيبون إلى إرهابيين؟ التي تعمل أستاذ علم النفس المساعد بجامعة ليزلي واستشاري علم النفس في مركز بوسطن الطبي تحاول الإجابة عليه. لذا ركزت في هذا الكتاب على العوامل النفسية حيث ذكرت المؤلفة بأن:
1) غياب العامل الأسري، أحد أهم العوامل مستشهدة بما قام به عالم النفس لورانس شتاينبرج بدراسة حالات مجموعة من المراهقين الذين تورطوا في عمليات إجرامية أو أعمال عنف، ووجد أنه في أغلب هذه الحالات كان الأبوان دائمي الانشغال، أو يميلان إلى ترك أولادهما لتحمل المسؤولية كاملة حتى النهاية.
2) التبرير القيمي: عادةً ما تكون الممارسات العنيفة التي يقوم بها الإرهابي الذي كان مسالمًا في السابق متناقضةً مع قيمه المتأصلة بداخله، ويُشير علم النفس إلى أن الشخص في هذه الحالة يقوم بما يُشبه إيقاف منظومته القيمية، مع الادعاء بأنه يتصرف بطريقة شخصية، فالإرهابي يتجاهل كل القيم التي تمنعه عن القتل، مركزًا على قيمة طاعة واحترام الأكبر سنًّا الذي قام بإعطائه أمر التنفيذ.
3) أحادية الرؤية: يميل الأشخاص في سن المراهقة أو بداية الشباب إلى تصنيف الأفعال على أنها خطأ أو صواب، أو أن الشخص طيب أو شرير، ولا يستطيع استيعاب المواقف المعقدة، على غرار أن الشخص قد يقوم بارتكاب خطأ ضخم، وفي الوقت نفسه يقوم بأفعال جيدة، وهو ما أكدته نظرية وليام بيري الأستاذ في جامعة هارفارد الذي قام باختبار طرق التعلم لدى مجموعة من تلاميذه، فوجدوا أنهم في البداية يميلون إلى إدراك الأمور بطريقة صواب أو خطأ، ثم يحتاجون إلى وقت طويل كي ينتقلوا إلى فهم التعقيدات، وأن الفعل الصحيح قد ينطوي على خطأ ما. وتشير مجموعة دارسات في هذا الشأن حول المراهقين إلى أن سن الـ15 عاما قد يميل إلى فكرة أحادية الرؤية، بما يجعله أكثر عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية.
4) التغيير المفاجئ: عندما يمر الفرد بتغيير مفاجئ تحدث فجوة ما بين حياته قبل التغيير وحياته بعد التغيير، ويحاول العقل سد هذه الفجوة بكل السبل، وقد يبدو الشخص طبيعيًّا ويتفاعل مع مجتمعه وأصدقائه، بيد أنه تظل بداخله حالة من عدم التأقلم والرفض والسخط.
عبدالرحمن فيض والتوأمان هما وجهان لعملة الإرهاب فكليهما ضحية الإرهاب والتغرير، وأصبح الوقوف أمام هذا السرطان الاجتماعي أمراً حتمياً لأنها حرب حقيقية تريد أن تهدم المجتمعات الآمنة والمجتمعات المستقرة التي تبني نفسها بنفسها، فالمجتمع السعودي منذ القدم وهو مبني على احترام الكبير وحين أتى الإسلام على يد صفوة الخلق محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وضع الجنة تحت أقدام الأمهات، لأنها الركن الأساسي في بناء المجتمع فالأم هي التي تصنع الرجال وشبابها الذين هم بالأساس وقود الأمة.
نحن أحوج ما يكون إلى مشروع وطني ملموس يختص بالشباب المستهدفين لأن الفكر لا يقاوم إلا بالفكر يواجه هذه الموجة الفكرية العنيفة مثل حملة السكينة www.assakina.com التي ساهمت في تصحيح أفكار (1.500) من أصل (3.250) وتم تقديم حملة السكينة كأنموذج لجهود المملكة في التعامل مع الأفكار المتطرفة في بيان المملكة لحقوق الإنسان في جنيف - 1430هـ.
وهي حملة إلكترونية تطوّعية مستقلة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية انطلقت سنة (1423 هـ) (2003 م). والتي من أهدافها: التصدّي للأفكار والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو ونشر المنهج المعتدل وتكريس قواعده وضوابطه ومفاهيمه وبناء شخصية إسلامية متوازنة مُنتجة وإيجابية وواعية إضافة إلى عميق مفاهيم الولاء والانتماء.
حيث تقوم فكرة الحملة على التخصص في عالم الإنترنت والانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الإنترنت، وذلك عبر فريق مختلف التخصصات، يحقق بتكامله أهداف الحملة عبر الوسائل والأساليب المناسبة والمؤثرة. على أن تكون صفة الانتشار والتعامل مع المُستهدفين صفة شخصية وديّة، ومن خلال هذه المواقع والمنتديات يتم بث المفاهيم الصحيحة ومناقشة الأفكار المنحرفة، قد يكون هذا النقاش علناً أو عبر الرسائل الخاصة أو برامج المحادثة الثنائية، وبالتالي أصبح مشروع مؤسسة حملة السكينة أمراً ملحاً ككيان مستقل وتحويلها إلى هيئة/ لجنة بحكم إنها لها باع في حوارات الشباب المنحرفين فكرياً، ودعمها من جميع الجهات المعنية.
حما الله ديار المسلمين من كل مكروه وجبر كسر كل من فقد ابناً أو ابنة في هذه الظاهرة الفتاكة، ورحم الله الشهيد عبدالرحمن فيض الذي قال في حفل تخرجه من الثانوية (شكراً لوالدي... ابنكم البار عبدالرحمن فيض).
turkialmouh@