د. فوزية البكر
أكاد أرى في كل عين تقرأ هذا الخوف والترقب ففي كل يوم نستيقظ فيه نجد حدثاً إرهابياً هنا وآخر هناك، ونتمنى أن لا يكون لنا نحن المسلمين العاديين أية علاقة، لكن كيف للشعوب التي بدأ يعصف بها الإرهاب وهي أقوي الدول تحديداً (أمريكا، وفرنسا، بلجيكا) التمييز بين صغير متطرف أو عابث متشدد أو صبي تم غسل مخه واستعماله كأحد أدوات الصراع بين القوى المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وبين مسلمين معتدلين يعيشون حياتهم العادية ضمن أطرها الدينية والأخلاقية دون عنف أو إرهاب؟.
بفوز ترمب (وهو الأكثر تطرفاً) كمرشح للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وبفوز الأحزاب اليمينية في النمسا وألمانيا وفرنسا يكون الصوت الأقوى خلال السنوات المقبلة هو لليمينة والتطرف الذي يعتمد التحريض ضد الأقليات ورفض التنوع ومحاولة الاستعلاء واستعداء الثقافات الأخرى كما فعل ترمب طوال حملته الانتخابية التي كان عمادها هو مطالبته بطرد المهاجرين وعدم السماح للمسلمين بالهجرة إلى أمريكا باعتبارهم من حضارة وثقافة مختلفة لا تقبل ثقافة الغرب ولهذا فبعضهم يفجرون أنفسهم في كل مكان يكونون فيه لعدم قدرتهم على التأقلم مع القيم الغربية المختلفة؟ فهل هذا صحيح؟ أم أن أوروبا وميركل تحديداً يدفعون ثمن سياساتهم المتهاونة في قبول الملايين من المهاجرين الذين ربما تسلل من خلالهم العديد من الإرهابيين المنتمين إلى مجموعات متصارعة في الشرق الأوسط؟.
صراع الحضارات حقيقية ملموسة كما نراها اليوم وتحدث عنها الباحثون منذ التسعينات وتحديداً بعد المقالة المشهورة لصمويل هاننجتون والتي تحولت فيما بعد إلى الكتاب المشهور صراع الحضارات الذي بشر فيه بأن أقسي الصراعات سيكون الصراع الحضاري وتحديداً مع وضمن الثقافة الإسلامية وهاهو ما يحدث أمامنا وبسرعة مخيفة تنذر بحروب شاسعة.
هل نستطيع إيقاف ذلك؟.. لا أظن لكن على الأقل لنحاول تفهم هذا التحول من خلال النظر في داخل ثقافتنا نفسها فالصراع الحقيقي ليس فقط مع أسلوب الحياة الغربية التي يتبناها 90 % من الأجيال الشابة المسلمة فهم يتعلمون إلى حد ما نفس التعليم ويستهلكون نفس الأجهزة ويتواصلون بذات الأدوات ويلعبون نفس الألعاب.. عصر التقنية والإنترنت حطم الحواجز التقليدية بين الثقافات لكنه لم يتمكن حتى الآن من حل الصراعات داخل الثقافات نفسها وفي رأيي إن كل هذا الصراع في فضاء العالم إنما هو محصلة لصراع أكبر داخل الإسلام نفسه وكيف نفهمه أو يفهمه الآخرون.
يجب أن تمتلك المؤسسات الرسمية الشجاعة الكافية لحماية نفسها وشعوبها عن طريق فتح قنوات النقاش والتخاطب حول كل المفاهيم (الصعبة) في حضارتنا الإسلامية الحالية من مثل تلك المتعلقة بأسلوب الحكم وإدارة المال العام وتوزيعه والضرائب ومفهوم الخصوصية مقابل العمومية واحترام القانون مقابل الالتزام للقبيلة وقضايا المرأة (الحجاب، الاختلاط، النظر إليها كانسان ومواطن كامل إلخ)، وقضايا الطفل والأقليات بكل أشكالها وكثير من المواضيع الشائكة التي يؤدي الالتباس في فهمها وتفسيرها إلى الكثير من القتل والتدمير من بعض المتطرفين باسم الدين وهو ما يمكن القوى اليمينة المتطرفة الغربية من سهولة الاستعداء على الإسلام والمسلمين ومن يلومهم؟.. حوارنا الداخلي اليوم هو الأهم ولا مناص لنا من أن نفعل ذلك ونجري النقاشات الحقيقية داخل حدودنا: في جامعاتنا وما تدرسه، في مدارسنا وما تلقنه، وفي أنواع الأنشطة الممارسة وفي أسلوب الحياة الذي تم فرضه كنموذج واحد على الجميع دون الأخذ بمتغيرات العصر مما أدى إلى كل هذا الهروب الجماعي الذي تشهده مدننا في كل إجازة وإلى كل هذا التلون والشخصيات المتناقضة وكل هذه المراقبات الاجتماعية: ما فعل فلان وعلان وحالات الاختلاف في أنماط الفكر والمعيشة داخل العائلة الواحدة للدرجة التي هددت وجود هذه العائلة أحياناً ثم تلا ذلك شاشات الفضاء الاجتماعي البراقة لتتنشر الغسيل على أكمل وجه.
الزلزال الحقيقي هو زلزال قيمنا وأسلوبنا في الحياة ورؤيتنا للمشاركة العامة ولدور الفرد مقابل مؤسسات المجتمع السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية وكل ذلك يدمدم فوق رؤوسنا كما نري وحري بنا فتح أبوابنا للهواء الطلق بدل أن تكسره الريح وتقتلع جذوره لا سمح الله.