سعود عبدالعزيز الجنيدل
قرأت كثيرا عن مصطلح» الوطنية « وما اعتراه من نقد كثير من قِبل مجموعة من «دعاة الصحوة».
سأسلط الضوء على أبرز ما دار حوله.
الرأي المعارض:
يتصور الصحويون مصطلح الوطنية» Patriotism» مصطلحًا غربيًا منافيًا للإسلام، فيقول أحدهم:» في فترة مضت كان هناك سيطرة غالبة لراية الإسلام والإسلامية، وكانت الرايات الجاهلية في ضعف واقعنا المحلي، وقد لاحظت مؤخرًا أن هناك زحفًا للرايات الجاهلية، بدأت تزاحم به راية الإسلام والمسلمين… وأهم هذه الرايات المزاحمة رايتا الإنسانية والوطنية».
إذن مصطلح «الوطنية» أو راية الوطنية كما سماها أحدهم، تتسم بصفتين:
- راية جاهلية
- تزاحم راية الإسلام والمسلمين
ويستدل أحدهم بكلام سيد قطب قائلا:» وأما سيد قطب عليه شآبيب الرحمة فقد شحن كتبه بالتحذير من هذه الرايات الجاهلية حيث يقول: وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية الله… لا راية الوطنية».
وكلام سيد قطب جاء ليؤكد معارضة مصطلح الوطنية للإسلام، وما هو إلا عصبية جاهلية منافية للإسلام.
هذا الرأي المعارض لمصطلح الوطنية، والذي يعده مصطلحًا غربيًا منافيًا للإسلام وَذَا صبغة جاهلية مقيتة، آثار عددًا من التساؤلات لدي:
-هل يوجد في الإسلام طائفة واحدة، أم عدة طوائف؟
-هل يوجد إجماع كامل لطائفة واحدة في دولة واحدة؟
-هل ترضى طائفة إسلامية بوجود طوائف أخرى وتتشارك معها في الصلاحيات؟
-إذا وجد في في بلد معين -مثل مصر- شريحة كبيرة غير مسلمة، كيف يتم التعامل معها؟
-ألا يوجد إقصاء لأطراف كثيرة؟
- من الطائفة التي سيتم الانتماء لها؟
-هل هناك ما يمنع من أن أكون وطنيًا عربيًا مسلمًا؟ بمعنى آخر هنالك ثلاث دوائر: الدائرة الصغرى وهي وطني، والدائرة الوسطى وهي عروبتي، والدائرة الكبرى وهي ديني.
-هل سيؤدي رفض الوطنية للتدخل في السيادة الداخلية لبعض الدول؟
الرأي المؤيد:
يقول الدكتور سلمان العودة:» لن يقوم بمشروع الأمة فصيل واحد من فصائلها بل مجموع أفراد الأمة بإسلامييها، وغير إسلامييها، من كافة تياراتها واتجاهاتها الفكرية والمذهبية، ومن غير المسلمين…
ولهذا يرى الدكتور سلمان العودة أن دولة التشكل الجديد هي دولة المواطنين كلهم بلا استثناء البر، والفاجر، والمؤمن، وغير المؤمن…
فالعودة يرى أن الوطنية هي التشكل الجديد، وهو ما يميز الدولة القطرية، ويستوعب جميع شرائحها من دون إقصاء.
إذا نظرنا في واقعنا الحالي، واقع الدولة الحديثة، لاكتشفنا صعوبة رفض مصطلح الوطنية، لعدة أسباب منها:
-وجود مواثيق وعقود بين الدول، وكذلك وجود قوانين وأعراف دولية، فعلى سبيل المثال:
لا يحق لمجوعة أشخاص، أو حتى دول تجاوز القوانين والسيادة الداخلية لدولة ما، للدفاع عن أحد ما باسم الدين أو الطائفية، وهذا ما حصل مع السعودية حين حاولت إيران التدخل بشأن إعدام نمر النمر، فطالبت وتدخلت، ولكن مملكة الحزم، لم ترض بهذا التدخل، وكما قال ولي ولي العهد، إن نمر النمر مواطن سعودي، وحكم عليه في بلاده.
-لا يحق لكائن من كان الذهاب والسفر، لنصرة المسلمين إلا بإذن ولي الأمر، فإذا علمنا هذا، فسيكون معلوما سلفا أن الأمور تغيرت عما كان فيه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، لأنّ مفهوم الدولة الحديثة لم يكن حاضرا عندهم، وأيضا هل نستطيع أن نعمل قطيعة مع العالم أو الآخر غير المسلم؟ وهل فعل هذا أسلافونا؟ الجميع يدرك أن الحضارة الإسلامية استفادت من علوم كثيرة، من اليونان، والهند، والفرس… وطوروا تلك العلوم حتى سادوا العالم في تلك الحقب، ونقل عنهم الغرب كثيرًا من تلك العلوم، إذن الحضارة الإسلامية لم تنطو على ذاتها، وتوصد الأبواب دونها، بل انفتحت على علوم الحضارات الأخرى وقربت بينها وبين العلوم الإسلامية.
-نقف مع المسلمين وندافع عن قضاياهم، وفق الأعراف والأنظمة الدولية، أي بحدود الدولة الحديثة، وأما ما يتعلق بالمشاعر، فنفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، وندعو لهم.
-يقول الدكتور سلمان العودة:» إن عاصمة النبوة (المدينة) كانت متنوعة عرقيًا ودينيًا ما بين العرب واليهود، والأوس والخزرج، والأنصار والمهاجرين، وفيها الإسلام واليهودية...وكان الوثنيون مقيمين داخلها، ومحيطين بها...وبفضل الحكمة النبوية سارت سفينة الإسلام وسط هذا البحر المضطرب…».
أخيرًا
لا يمكن- كما أظن - بحال من الأحوال توحيد دولة ما على طائفة ما، ودونك العصر الحديث، نقّب به، هل تجد دولة ما كل أطياف شعبها، منتمٍ لطائفة واحدة، أو حزب واحد، ولكنك حتمًا ستجد دولا موحدة بانتماء جميع شرائح شعوبها تحت اسم واحد، ويجمعهم اسم واحد، هو اسم «الوطنية، والمواطنة patriotism.