د. أحمد الفراج
يا للهول، فقد اطلعت على تسجيل صوتي لشيخ سلفي معروف، أفتى فيه بأن أي شخص فرح بانقلاب تركيا فهو «كافر»، ولم أصدق ذلك في بداية الأمر، ليقيني التام بأنه لا يمكن لرجل دين أن يكفر أحداً لمجرد موقفه من انقلاب في دولة تفخر بعلمانيتها، ويرأسها زعيم يعتز بعلمانيته، وعلمانية دولته، ولذا فقد تريثت، وسألت من أثق بهم، الذين أكدوا ذلك، وفي ذات الأثناء نشر الحزبيون السعوديون تلك الفتوى، وأشادوا بها، ولا يبدو أن لهذا الجنون الحزبي نهاية، فكل يوم يأتينا جديد مما لا يمكن أن يتخيله عقل بشري لديه الحد الأدنى من القدرة على التفكير.
لا أعتقد بأن الشيخ الذي أصدر فتوى تكفير مجانية بحق كل أبدى رأيه تجاه حدث سياسي يدرك ما يدور، لأن الفتوى مغرقة بعدم العقلانية، وتفسيري الوحيد هو أنه -غفر الله لنا وله- محاط بحزبيين يصورون له الأمور على غير ما هي عليه، وللحزبيين تاريخ طويل في التغرير الممنهج بمشائخ فضلاء، فالحزبيون يعلمون أن مواقفهم السياسية التي تتستر بالدين لا يمكن أن تكسب مصداقية لدى العوام إلا اذا صادق عليها شيخ من الوزن الثقيل، ولا أدري إن كان الشيخ يدرك ذلك، ولكن المؤكد أنه أصدر فتواه، وطارت بها الركبان، ولو أخذت هذه الفتوى على محمل الجد، فإن ملايين من سكان المملكة سيكونون من فئة «الكفار».
المثير للسخرية أن سياسيين ومثقفين أتراك طالبوا إخوان الخليج أن يتوقفوا عن دس أنوفهم في الشأن التركي، وبلغ الأمر درجة أن مواطناً تركياً كتب لإخواني سعودي عبارات مهينة، كان من ضمنها كلمة «اخرس»، ولم يزد ذلك إخوان المملكة إلا إصراراً، بلغ مرحلة تكفير من يعارض تركيا وزعيمها والعياذ بالله، ومن المفارقات العجيبة أن متشدداً سرورياً بالغ في الاصطفاف وراء ذلك الزعيم الإقليمي، رغم أن ذات المتشدد سبق أن كفر فئة كاملة من الشعب السعودي، وسبق أن اتهم مثقفين سعوديين بالزندقة، وتمنى لو كان معه سيف ليحز رؤوسهم بنفسه، وأنا على يقين بأن هؤلاء المثقفين السعوديين لم يرتكبوا من المخالفات معشار ما ارتكبه الزعيم الإقليمي، الذي يدعمه هذا المتشدد، ويرى فيه الزعيم الإسلامي، الذي سيعيد مجد المسلمين، وكأننا في المملكة لا نملك هذا الشرف الذي لا يراه الحزبيون، وهذا يعني أن إخوان المملكة يتناقضون بقدر ما يتنفسون، وهو سلوك اعتدنا عليه، وخبرناه، وتابعنا فصوله.
لقد جاوز الحزبيون السعوديون المدى، وكلما ظننا أن موقفهم السلبي والحاد من بلدهم سيتوقف عند حد، كلما باغتونا بجديد لا يخطر على بال بشر، فقد أصبح وضعهم صعبا ومحزنا، وبات الناس يتندرون عليهم، وعلى تناقضاتهم، وتبريراتهم، وطالما وصل الأمر للتكفير على الظن، فلا يمكن أن يتوقع أحد خطوتهم القادمة، بعد أن أعلنوا ولاءهم التام لدولة أجنبية، ولزعيمها، بلا لبس ولا مواربة، وبعد أن سرق كاتب إخواني سعودي لقب «زعيم الحزم» من ملك هذه البلاد، ومنحه لزعيم تركيا، فإننا نحمد الله أن ملك هذه البلاد هو خادم الحرمين الشريفين، وإلا لربما منح الحزبيون السعوديون هذا اللقب لزعيمهم الأحنبي المفضل، فاللهم اكفناهم بما شئت.