د. محمد بن إبراهيم الملحم
على الرغم من وجود ملاحظات متنوعة حول مقرراتنا التعليمية إلا أنها تتميز بمظاهر لا تخطئها نظرة الفاحص أو تتغاضى عنها عين المتأمل فالطباعة فاخرة والألوان نقية والصور عالية الجودة بل ومرتبطة بالبيئة والنص جميل الخط حسن التنظيم ، واعتنى المؤلفون باتباع أساليب عرض حديثة تقدح الفكر وتوضح المفهوم بأنشطة عملية معينة على التعلم وفي بعض الكتب وجدت أجزاء متخصصة للتلخيص أو للتقييم التعلمي ، وكل هذه الإبداعات لم تأت بسهولة بل بجهود طويلة بذلها المختصون في المناهج سواء لاكتساب هذه الخبرات من نطاق «أفضل الممارسات» Best Practice ثم تطبيقها بمقرراتنا المحلية أو للبحث عن مثل هذه الخبرات في مقررات دولية ثم إعادة توظيفها لدينا بطريقة التكييف Adaptation وهي كلها أعمال تحتاج إلى وقت وخبرة ومداولات وتعديلات حتى تصل إلى ما وصلت أليه بين أيدي طلابنا اليوم ، وأتحدث من خبرة مباشرة بجهود الزملاء المختصين الذين شاركوا في هذا العمل المميز. وهي قيمة نوعية مضافة بتكلفة عالية.
المشكلة أن دور هؤلاء المختصين بالمناهج يتوقف عند حد طباعة الكتاب فهو الغاية وحتى لو وجدت جهود تالية لذلك فلا تتجاوز بضعة ورش عمل للتعريف بالكتب الجديدة (ويحضرها نخبة منتقاة من المشرفين التربويين فقط) مع دراسة نتائج استبانات تطرح لمعرفة آراء الميدان في تلك الكتب.
يقوم المعلمون حاليا بالتدريس بالطريقة التقليدية فالكتاب مجرد مصدر للمعلومات فقط تماما كالكتاب في نسخته القديمة قبل عشرين سنة وبالتالي لا يوظفون الأفكار الحديثة المبدعة في الكتب الكريستالية المقررة ويكتفون بالتدريس «الخشبي» الذي يميل إلى التلقين. والسبب له وجوه عدة: فهم لا يملكون المهارات اللازمة لكيفية توظيف تلك الأفكار الجديدة إذ أسست على نظريات حديثة كالتعلم النشط ونظريات التعلم البنيوي Constructivist Learning والتي ربما مرت معهم في أحد المقررات الجامعية ولم يجربوا كيفية تطبيقها ثم أصبحت الآن نسيا منسيا. لايوجد أيضا ما يدعوهم إلى البحث عن كيفية التوظيف فالإشراف التربوي الذي يسهم في تقييمهم هو نفسه قد يفتقر إلى إدارك فنيات التعامل مع هذه الأفكار في كتب المقررات وتوظيفها بالمنهجية التي قصد بها المؤلفون أن تتبع تدريسيا عندما وضعوا تلك الأجزاء غير النمطية.
إدارة المناهج في وزارة التعليم ينبغي أن تولي كيفية استخدام الكتاب المقرر عناية أكبر وتتوسع في تدريب المشرفين والمعلمين وتتبنى دراسات موسعة على أسس البحث العلمي (لا مجرد استبانات) مستعينة ببيوت خبرة تقدم تغذية راجعة عن عمل هذه المكونات التأليفية ودورها في رفع مستوى الفهم والاستيعاب لدى الطلاب. ينبغي كذلك توفر تكامل تام مع الإشراف التربوي (أو ربما دمج إدارتي الإشراف والمناهج وهو الأفضل عندي) لضمان توظيف المعلمين لهذه المقررات الإبداعية (المتعوب عليها) وما لم يحدث ذلك فأعتقد أننا نهدر كثيرا من المال لتأليف كتب مقررات من الكريستال بينما الكتب الخشبية تكفي للتدريس الخشبي الممارس حاليا.