محمد آل الشيخ
هناك علاقة قوية بين الاكتئاب والإرهاب؛ وهذه العلاقة أصبحت واقعاً إحصائياً علمياً، لا يمكن لأحد أن يرفضها أو يكابر عليها. ومن المعروف علمياً أن التطرف الديني والغلو ظاهرة نفسية مرضية في منشئها، ثم تنتشر بحكم العدوى، فتتوارث وتتحول إلى (استثمار) مع الزمن، ثم إلى فرقة دينية لها فقهياتها وأصولياتها العقدية.
ومن يقرأ ممارسات ظاهرة الخوارج التي عرفها القرن الأول، لا تُخطئ عينه الاضطراب النفسي لأفراد الخوارج ورغبتهم الجامحة في إراقة الدماء والتشفي من الأنداد بوحشية وتغليف تلك الممارسات بالدين وأوامره ونصرته.
أشهر الخوارج على الإطلاق «عبدالرحمن بن ملجم» الذي اغتال الخليفة «علي بن أبي طالب»، وكيف كان تدينه وتشدده، وكان يقاوم شعوره بالذنب بترديد الاذكار الدينية وقراءة القرآن أثناء اعتقاله، لتتأكد عندها أن دافعه في قتل علي كان (أولاً) دافعاً مرضياً نفسياً محضاً، تلبّس بالدين وإعلاء كلمته.
الدواعش، وكذلك الغلاة ممن ينحون منحاهم من السلفيين المتأخونين ويطالبون بما يطالب به الدواعش، وإن أنكروا عليهم وادعوا أنهم بختلفون مع ممارساتهم الوحشية، هم كذلك لديهم نفحة من الاضطراب النفسي، فيجدون في الغلو والتشدد المبالغ فيه، ما يُفرج عنهم ضغوطهم النفسية وكرباتهم الداخلية.
كما أن ظاهرة (الذئاب المنفردة) التي اشتهرت بها (داعش) مؤخراً، تتطلب أولاً أن يكون الفرد، أو (الذئب المنفرد)، يعاني من مرحلة مرضية متقدمة من الاضطراب النفسي؛ عندها يكون جاهزاً لتقبل الفكر الداعشي وتنفيذ عمليات الاغتيال والفتك الداعشية، فيتحقق له الانتقام والنكاية من مجتمعه الضيق -(أهله وذوية)- ومجتمعة الواسع الذي يحقد عليه، وفي الوقت نفسه تحقق له أيضاً (الشهادة) التي بها يتخلص من كل خطاياه الدنيوية ويتطهر، ويفوز بالشهادة، والنعيم المقيم في الجنة، حسب ما وعده به «يوسف القرضاوي»، مفتي جواز الانتحار.
وليس لدي أدنى شك أن الجهات الأمنية لو قامت بعرض الدواعش الموقوفين لديها، وحاورهم (محاور) محترف، مثل الأستاذ «داوود الشريان»، لظهر جلياً أنهم كانوا أولاً مرضى نفسيين، وغير متدينين، يعاقرون كل الموبقات، وهم في أعماقهم يشعرون بالذنب، وحينما لاحت لهم دعوة الدواعش، وجدوا أنها فرصة للتطهر، والتخلص من تاريخهم المثقل بالذنوب، وتنفيذ عملية كما سماها القرضاوي (استشهادية)، تجعلهم يموتون كما يموت الشهيد، نقياً من الذنوب، ومتخلصاً من هذه الحياة (الكئيبة) التي يعاني منها أشد المعاناة.
ونحن الآن نمر بمرحلة من أخطر مراحل الإرهاب، حيث إن كل مريض نفسي يكون مرشحاً محتملاً لأن يكون ذئباً داعشياً، يمارس القتل والفتك بأية وسيلة، سواء بالسلاح الأبيض، أو بالدهس، أو بالتفجير، أو أية وسيلة متاحة؛ وهذا ما يجعل رادع الأمن الاستباقي، أو الأمن الوقائي, للحيلولة دون الجريمة الإرهابية قبل وقوعها من الصعوبة بمكان إذا لم يكن متعذراً.
علاج الظاهرة الداعشية في غاية الصعوبة، وستبقى معنا عاثية في مجتمعاتنا لجيل أو جيلين على الأقل؛ وعلاجها في تقديري طويل الأمد؛ ومهما حاول البعض التهرب والمراوغة من مسؤوليتها، فإنها في التحليل الأخير مُنتَج -وإن كان متطرفاً- من منتجات التأسلم السياسي، الذي تراخينا في اجتثاثه في بدايات انتشاره، فتورطنا بمنتجات ثماره النهائية.
إلى اللقاء،،،