حمّاد السالمي
* لا شك أننا نعيش زمن الفتن التي تبدأ صغيرة ثم تشتعل وتستعر؛ فتكبر حتى تأتي على كل أخضر ويابس.
* من كان يصدق أنه سوف يعيش ليسمع ويرى بأم عينيه مَن يفجرون في المساجد والمعابد، ومن ينحرون البشر ويذبحونهم كما تُبذح الشياه، ومن يتقربون إلى الله - زعموا - بذبح أمهاتهم وآبائهم وأخواتهم وإخوانهم وأقاربهم؛ بحجج الشرك والردة والكفر كما يدعون..!
* لقد حارت عقولنا، وتاهت فهومنا، وطاشت قلوبنا، فلم نعد ندري؛ أهؤلاء القتلة الإرهابيين مجانين أم نحن المجانين..؟! من المجنون فينا..؟ من يمارس الجنون..؟ أم من يُقارع الجنون..؟
* حقيقة.. لم يكن القتل بهذه الطريقة جديدًا على بني البشر، فقد شهدت الأرض أول قتل عليها في بداية الخلق؛ حين قتل قابيل أخاه هابيل وهما ولدا آدم عليه السلام، وظل القتل شائعًا بين الناس حتى بين الأب وابنه وأخيه وقريبه، لكن ما يحدث في عصرنا هذا إرهاب منظم لم يُسبق أن تمرّس بهذا العنف الدموي، ولا أن تترّس بفكرة دينية مزيفة بهذه الطريقة العجيبة، وفي استهدافه الناس جميعًا على مختلف أديانهم ومذاهبهم وأجناسهم، والأقارب منهم على وجه خاص، وفي ظهور تنظيمات كبيرة تمارس الإرهاب بشكل دُولي.
* ماذا تفعل هذه المنظمات الإرهابية؛ لكي تجتذب إليها الأتباع الذين يَقتلون ويُقتلون بدم بارد..؟
* هل أدرك قادة (القاعدة وداعش وطالبان والنصرة وبوكو حرام)، ومن هم على شاكلتهم من قتلة إرهابيين السر الكبير الذي كان عليه الحشاشون القدامى من أتباع (حسن بن صباح)..؟
* تذكر كتب التاريخ؛ أن أول حركة إرهابية منظمة في العالم؛ هي حركة (الحشاشين)، التي ظهرت بداية في جبال الديلم من شمالي إيران في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم انتقلت إلى شمالي سورية، وكانت حركة تنتسب إلى التشيع، وهي أول حركة تلجأ إلى العنف والاغتيال وترهيب الخصوم لتحقيق مآرب سياسية وسلطوية، وقد اشتد بطشها بخصومها السياسيين والعسكريين خلال الفترتين السلجوقية والأيوبية، إلى أن انتهت على يد الظاهر بيبرس. وقد كان عهد الحشاشين عهد فتن واضطرابات في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي، فقد كان زعيمهم (الحسن بن صباح)؛ يأمر باغتيال كل من يقف في طريقه أو يخاصمه، وهو مؤسس ومالك قلعة (الموت (في جنوبي بحر قزوين. يقول الرحالة الإيطالي ماركو بولو عن الحسن بن صباح - نقلاً عن كتاب (الإباضية) لصابر طعيمة - (إنه كان يأمر أتباعه أن يغتالوا من يريده شيخ الجبل من أعدائه، وجزاؤهم على ذلك الخلود في جنة الإمام، حتى أصبح الناس يخشونهم، خاصة الحكام والوزراء). ومما ذكره المؤرخون عن سطوة وقدسية مؤسس حركة الحشاشين (حسن بن صباح) عند أتباعه: (أن إيماءة منه كافية لأن تجعل الكثيرين منهم يقفزون من فوق الأسوار المرتفعة، فتدقّ أعناقهم، وتتحطم جماجمهم، ويموتون ميتة بائسة، وهو يؤكد لهم أن أسعدهم مآلًا هم الذين يسفكون دماء الآخرين، ويلقون حتفهم بالتالي انتقاماً لفعلتهم).
* اكتسبت هذه الفرقة الإرهابية شهرة كبيرة؛ حتى دخلت بهذا الاسم: (الحشاشين Assasin)؛ بمعنى القاتل المحترف بأجر. فالحشاش كما قال (فرانشسكو دابوتي): هو الذي يقتل الآخرين مقابل أجر. وأطلق على (الحشاشين) هذا الاسم؛ لما شاع عنهم من تعاطي الحشيش والاتجار فيه، لتمويل عملياتهم التي يقومون بها، ومن ذلك الأفيون الذي كان أفراد الفرقة يتعاطونه قبل تنفيذ عملياتهم من اغتيالات وقتل وتدمير. فقد كانوا يتناولون مادة الحشيش قبل تلقيهم التعليمات، حتى يكونوا خارج منطقة الوعي. كما يقال إن الحشاشين كانوا يعتمدون على المرضى النفسيين والمدمنين لسهولة توجيههم، بأن يغرسوا فيهم أفكارهم ليؤمنوا بها، وهذا هو بالضبط ما تفعله داعش مع أتباعها من المحبطين والمرضى النفسيين، الذين يشعرون أن لا أمل لهم في الحياة. وداعش مع ذلك تعتمد بشكل كبير على التواصل الاجتماعي كوسيلة لنشر أفكارها المشوهة، مستندة إلى تفسيرات خاصة بها للقرآن الكريم، ومروجة لفتاوى وآراء فقهية متطرفة لمشايخ وفقهاء معاصرين جهلة. هنا.. يصبح المتلقي للتعليمات منها خارج منطقة الوعي، وبذلك تصبح السيطرة على عقول الأتباع واحدة من أهم ما يسعى إليه الارهاب الداعشي، وهي الطريقة نفسها التي تتبعها القاعدة والنصرة وبوكو حرام بكل تأكيد.
* ومن طرائف الأخبار؛ أن مؤسس الحشاشين القدامى (حسن بن صباح)؛ أقام حديقة كبرى بين جبلين، حيث وفّر فيها كل ما لذَّ وطاب، وأوجد فيها الحور العين من أجمل نساء الدنيا..! وكان يكلف الإرهابي بمهمته مقابل أن يعود لينعم بهذه الجنة، وهذا ما يقوم به الدواعش اليوم، فالإرهابي يقتل فيُقتل لكي يذهب إلى الجنة ونعيمها وما فيها من حور عين كما وُعد بذلك من قادة داعش..! وهو ما نشاهده كثيراً في وصية الإرهابي القاعدي والداعشي قبل أن يقوم بمهمته، فنجده يتحدث عن الجنة والحور العين اللائي هنّ في انتظاره..!
* هل نعيش زمن (الحشاشين الجُدد)، الذين يتفننون في تغييب أتباعهم بمواد مخدرة عشبية وخلافها، ويوهمونهم بالجنة والحور العين؛ مما يجعلهم مطيعين لأوامر رؤسائهم، وسهلي الانقياد لهم، مهما كلف الأمر؛ من جرائم بشعة ضد البشرية كافة، وضد الحضارة الإنسانية المشتركة..؟