يوسف المحيميد
من أكثر القضايا التي تؤرق المواطن، وتلازمه حتى عند منامه، هي كيف يسترخي تحت سقف بيت يمتلكه، هو وأولاده، لا يهدده المالك حين يتعثر في سداد إيجاره، ولا يخشى من يوم يجد نفسه وأغراضه في الشارع، ومنذ نشأة صندوق التنمية العقارية في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، حصلت الأجيال السابقة على قروض عقارية أسهمت في بناء بيوتهم، ففي البدايات كان آباؤنا يقدمون أوراقهم على الصندوق اليوم، ويستلمون القرض في اليوم التالي، ثم أصبح الانتظار بالأشهر، وبعد ثلاثة عقود أصبح الانتظار بالسنوات، التي قد تزيد عن عقد من السنوات، وربما أكثر، وزاد الطين بلة، ارتفاع أسعار الأراضي، مما جعل المواطن يصعب عليه تملك الأرض للتقديم على القرض، فألغي شرط امتلاك الأرض، حتى انهال على الصندوق في أيام قليلة مئات الآلاف من المواطنين الراغبين بالقرض، ممن لا يمتلكون أرضًا، فكان لا بد من إيجاد وزارة إسكان تحل الأزمة، لكنها منذ انطلقت هذه الوزارة وهي في دوامة لا أول لها ولا آخر، ففي البداية حاولت أن تتحول من وزارة تُمارس التشريع والتنظيم إلى مقاول بناء، فاصطدمت بندرة الأراضي التي تمتلكها الدولة، فحولت الدولة ملكية أراضيها من الأمانات إلى هذه الوزارة، ومنحتها مليارات الريالات، التي لم تجد من يوظفها بشكل جيد، لحل ولو جزءًا من أزمة السكن، خاصة في المدن الكبرى!
وعلى الرغم من كل المحاولات والاجتهادات التي لم تنجح، تفاءل المواطنون بفكرة القرض المعجل، ووجدوا فيه بدايات حل معقول للكثير منهم، بمعنى أن تحصل على قرض بقيمة خمسمائة ألف ريال، يتم سداده على مدى خمسة عشر عامًا، تدفع الدولة عن المواطن الفوائد المترتبة على هذا القرض، ويسدده المواطن كقرض حسن، وهي فكرة رائعة ومبشرة، وتهافت الجميع فرحًا بها، فهي ستخلصهم من قوائم الانتظار الطويلة، وستوفر في أيديهم سيولة لحسم الأمر، لكن الحلم طار بعدما اتضحت الشروط، التي كانت لصالح الشركات العقارية، وليست لصالح المواطن، لأن القرض محدد بشراء الشقق والوحدات السكنية، وليس لمنح المواطن حق بناء مسكنه الخاص كما يريد، أو استفادة من يمتلك أرضًا بالبناء عليها، أو مساعدة من تعثر في بناء مسكنه، وذلك كما كان دور قرض الثلاثمائة ألف سابقًا، داعمًا للأجيال السابقة من صندوق التنمية العقاري، فلماذا هذا الشرط المعطل؟
ولو كان هذا الشرط تم إقراره لعدم أهلية المواطن، وعدم ضمان بناء بيته الخاص، فالحل هو تسليم المبلغ له من خلال دفعات متتالية ومحددة، تبعًا لمراحل البناء، كما كان يحدث سابقًا من قبل مهندسي الصندوق، الذين يعاينون البناء على الطبيعة، للتأكَّد من سير العمل، أما إذا كان الهدف من هذا القرض هو تجفيف الوحدات السكنية الراكدة في السوق منذ سنوات، من خلال توفير السيولة بأيدي المواطنين، فهي خدمة مباشرة للشركات العقارية التي تعطل بيع الوحدات السكنية لديها، وستسهم في رفع أسعار هذه الوحدات السكنية!
إذا كانت وزارة الإسكان جادة في خدمة المواطن، وترغب فعلاً في مساعدته، والأخذ بيده، لتأمين مسكنه، فلتجعل هذا القرض المعجل متاحًا بصيغ متعددة، إما لشراء الشقق والوحدات السكنية الجاهزة، أو لتوفير السيولة في أيدي من يمتلكون الأراضي لبناء مساكنهم، أو إكمالها في حال تعثر البعض عند مرحلة الإنشائي (العظم)، فهي بهذه الصيغ المتعددة تسير بملف الإسكان إلى مراحل متقدمة من الإنجاز.