رمضان جريدي العنزي
دخل الرجل بخطى حثيثة إلى مكتب عقارات، قابل صاحب المكتب، الذي بدوره أبدى له الود والبشاشة والترحاب الحار، كان الرجل متحمساً جداً، شرح بحماس واستعجال عن عمله الشاق لسنوات طويلة ليتسنى له شراء بيت أحلامه، وبدأ مباشرة بوصف ميزات هذا البيت الذي يود شراءه، كان صاحب المكتب أذناً صاغية، ومستمعاً جيداً، قال الرجل: أريده بيتاً صغيراً، فيه كراج يسع سيارة واحدة، وفيه حديقة صغيرة، أو حتى مكاناً لشجرة واحدة وبعض الزهور، أردف يقول بحماس: لقد عملت عشرين عاماً ليلاً ونهاراً بلا كلل ولا ملل لأجمع قيمة البيت الذي أحلم به، أجابه صاحب المكتب سأفعل ما بوسعي لأحقق حلمك وطموحك في البيت الذي تريد، وغداً سوف أتصل بك لتعاين البيت، وفي الغد سأخبرك كم سيكلف البيت الجديد.
كان السمسار متيقناً من أن الرجل مشترٍ حقيقي، فطلب من أحد المعاونين له أن يبحث عن بيت بهذه المواصفات البسيطة المطلوبة، في اليوم التالي وحسب الموعد جاء الرجل بمعية صاحب المكتب العقاري لمعاينة البيت، عاين البيت على عجل وبقي يتأمل البيت شارداً وهو يأخذ الصورة تلو الأخرى، وقف أمام مدخل الصالة وأخذ صورة للممر الرخامي، وللزوايا المضاءة بالأنوار الخافتة، وصورة للمطبخ، وصورة لغرف النوم، ولدورات المياه المجهزة بالسراميك الملون، لم ينتظر طويلاً بل بادر بالكلام بعد أن حك رأسه وخده أكثر من مرة، لدي بعض الاستيضاحات: هل مواصفات البناء مطابقة للمواصفات المعمول بها؟ وهل البناء والأساس قد أشرف عليه مهندسون معتمدون؟ وهل مواد البناء ومواد السباكة والكهرباء من النوع المعتمد والمطابق للمواصفات المحلية؟ وهل وهل وهل ...؟ قال له المسمار كن مطمئناً، كل أسئلتك جوابها بنعم، امتلك البيت وأنت مطمئن ولا يصيبك الشك والقلق.
تم شراء البيت من قِبل الرجل، بعدها بأقل من سنة واحدة حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد بانت التصدعات في الجدران، وكثرت تسربات المياه، وبانت رداءة السباكة، والتماسات الكهرباء، وبروز البلاط وخسوف بعضه، وتغير لون الدهان، عندها تيقن هذا الرجل بأنّ حلمة الطويل الأمد صار قصير الأجل، وأنه وقع في المصيدة، وأنّ أحلامه طاحت وانهارت، لقد أصبحت خدعة البناء الخارجي وبهرجة التصميم الداخلي مثل مكياج لجمال مزيّف، ومثل فاتنة مسربلة بالعشق، لكنها غير حالمة، يقال: « الأشجار المثمرة ترمى بالحجر « لكن الواقع أن البيوت التي تبنى بسرعة البرق وتباع بعجل، هي التي لابد أن ترمى بألف حجر، لأنها غير مثمرة ولا شهية وفيها من الخلل الفني والبنائي الشيء الكثير.
إنّ القصص في هذا المجال كثيرة وعديدة ومتنوعة ولها تشعبات في المرارة والشجن، فالمشترون مصابون بالدوخة، والمنفذون غير أمينين، والجهات الرقابية لابد أن تعترف بالفشل، إننا نطالب بوقفة جادة وتحرك سريع حيال هذه المسألة من كافة الجهات المعنية كالبلديات والأمانات ومكاتب الهندسة، ضد أصحاب المصالح الضيقة، إنّ ما يحصل في البناء المستعجل عبث بامتياز، ومضيعة للوقت، واستعراض بهرجي، وخراب، وسقط متاع، عليهم التحرك وفق اللوائح والتشريعات والأنظمة، وسينجحون، شريطة أن يبدؤون، إن هذا الكلام ليس من باب العاطفة، لكنه من باب الإيمان بأنّ هذا الوطن العزيز يستحق منا النبل والأمانة في العمل، والتضحية في الإتقان، لمنع المزيفين من التمادي في الغش والتدليس، ستكون النتائج فعّالة إذا ما تحركت كل الجهات المعنية، وسنشهد تحولات دراماتيكية في الوضع المشوّه السائد، سنشهد عودة البناء القوي الصحيح، بدلاً من البناء الوقتي التالف، الذي يأخذ شكل الجمال الخارجي لعمل داخلي قبيح.