د. خيرية السقاف
الكلام الكثير المتداخل لا يُفهم..!
والصور المتسارعة المتداخلة لا تُميَّز ..!
حتى الشلال في تدفقه العاتي يُغْرِقُ..!!
وتفعل الذاكرة حين اكتظاظها فتكبُّ أشياءَ،
وتُغيِّبُ أشياءَ..!
الكثرة على أية حال ليست مكسبا،
كذا القلة على أية حال ليست مغرما ..!!
ضجةُ التدافع تُنقض في الأصولِ نواميسَها..
تحيل الصفوَ كدرا، والعذب خليطا، والوضوح غموضا، والسلامة مهلكة..!
تُفقد متعةَ الفهمِ، ومدَّ الصفاءِ، ولذةَ السماع، وفرصةَ الاكتساب،
وعمقَ التأمل، ونقاء الصورة، وبوصلة الوعي،
وحافز المثولِ..!
كُثْـرٌ من الصامتين يُبرئون حواسَّهم من ضجيج الأصوات حين تكون الأصوات ليست فقط تأتي عن الحناجر ..!
يُخلصون لوجودهم بثمة قيمة للحظةٍ في ساعات حياتهم لا يتركونها تتلاشى في عدمٍ مُغرَق ٍفي لا شيءَ الفوضى، وعكرِ الضجيجِ ..!!
فكم من ملجأ يهربون إليه ..
هناك ثمة حشرة تنحب تحت جذع شجرة في هدوء الليل تستجلب كمونهم ..!!
وثمة بائسٍ في ركنٍ جوار حائطٍ معفَّـرٍ بالتراب ينتظرُ يقظة الشمسِ يفيضُ عليهم بالمعاني..!!
وثمة عاملٍ يكافح في صهدِ ظهيرةٍ تجلده فتأوي إليه نداءاتُ وجدانهم..!!
وثمة خيباتٍ توزِّعها عرباتُ الفاشلين في بناء الحياةِ تستوقفُهم ليتفكروا في خرائط اتجاهاتهم..!!
وثمة مطابع تتدفق بغثّـها تمنحهم وقتا ليميزوا بين مائها، وأحبارها.. !!
وثمَّة أطفال ينقذون مدنَهم بالعتمة ينطقون الدلالات، يستثيرون فيهم كوامن اليقين..!!
الهاربون من الضجيج،
الهاربون من فداحة التِّيه يستأنسون لمعطياتٍ تكلمُهم إلماحاتُها بصمت،
وتقول كثيرا..!!
فيميزون، ويفهمون..!!