تشكل الأسرة اللبنة الأساسية الأولى لبناء المجتمعات، وهي الحاضن الأول لأفراد المجتمع، وصاحبة الدور الرئيس في بناء وتنظيم وتدعيم وتماسك المجتمع، وترتكز عليها الوظيفة الأولى في نقل ثقافة المجتمع إلى الأبناء، وتشربهم واستدخالهم لقيم المجتمع حتى يتكيفوا ويتوافقوا مع معايير الجماعة والمجتمع بشكل عام.
فالأسرة جماعة ديناميكية متغيرة تؤثر وتتأثر بالمتغيرات الداخلية والخارجية، لذا فإن هذه الأسرة يجب أن تكون مرنة وقادرة على التكيف، حتى تتماشى وتتأقلم مع المتغيرات في سياقها المجتمعي.
وتعد الأسرة من أهم الجماعات الإنسانية وأعظمها تأثيراً في حياة الأفراد بشكل خاص والمجتمعات بشكل عام، فالمجتمع يقوى ويتوحد بتماسكها وقوتها، ويضعف بانقسامها وتصدعها. ويقع على الأسرة مسؤولية كبيرة، ودور مهم نظراً لأن المجتمع يتوقع منها أداء عديد من الوظائف والمهام تجاه أفرادها، تتمثل في تعزيز الأمن النفسي لأفرادها، وإشباع حاجاتهم الذهنية والعاطفية والسلوكية، وتقديم الثقافة الدينية والاجتماعية لأفرادها........ الخ
والأسرة كمنسق اجتماعي رئيس في المجتمع تشكل خط الدفاع الأول للوقاية والمكافحة في آن واحد لأفرادها، فهي القادرة متى ما قامت بدورها بشكل صحيح بملاحظة السلوك وضبطه وإعداد أفرادها لمواجهة التغيرات الاجتماعية والثقافية، وتقييم ما هو إيجابي لاستدخاله وما هو سلبي للتصدي له.
ولقد حدثت عدد من المتغيرات في المجتمع الحالي نقلت دور ووظيفة الأسرة من مفهوم الأسرة التقليدية السابقة والتي كانت تقوم على مسلمات وقوانين ومعايير متقبلة من أفرادها، يدعمها ثقافة المجتمع العام، والتي تقوم على مبدأ المرجعية الشرعية والسلطة والطاعة والامتثال والإذعان والتسلط الفكري والإقصاء الفكري وعدم قبول الحوار إلى حد ما، إلى نظام الأسرة الحديثة والتي أسهمت تغيرات خارجية وداخلية في إحداث هذا التغير، فالأسرة الحديثة الناجحة والقائمة بدورها هي من تستطيع التوافق والتكيف مع هذه المتغيرات، والتي تستطيع المساهمة في التنشئة الاجتماعية الفاعلة والمتوافقة مع المجتمع العام، ومع الأحداث المتغيرة إيجابية كانت أم سلبية.
إن الواقع الحالي والمتغيرات الفكرية تتطلب من الأسرة إدراك هذه المتغيرات والتعامل معها وفق منهج وإجراءات وتدابير فعلية وقائية للمحافظة على أفرادها، وبخاصة جيل الشباب والمراهقين وتحديداً فترة المراهقة المتأخرة، والتي تحكمها خصائص عدة وتغيرات جسمية وعقلية وانفعالية واجتماعية ومن أبرز هذه الخصائص:
1- الاندفاع الشديد في العاطفة سواء حباً أو كرهاً.
2- كثرة الأسئلة والتأمل.
3- حب الاستطلاع.
4- حب المغامرة.
5- الحاجة للانتماء.
6- الحاجة لتحقيق مفهوم ذات إيجابي.
7- تشكيل هوية شخصية وجماعية.
8- الحاجة لتقدير الذات.
9- المشاركة في اتخاذ القرارات.
10- الدخول في الحوارات الفكرية والتي تهتم بالفهم والإدراك للواقع وللمشكلات الاجتماعية أو الدينية أو الثقافية.
11- الحاجة إلى الحب بجانبيه الشعوري والسلوكي وليس الاقتصار على الجانب المعرفي للحب.
12- سرعة الشعور بالذنب والتقصير.
13- التفرد والاستقلالية.
14- التأثر بمظاهر القوة والبطولة.
15- الرغبة في التمرد.
لذا ومن هذه المنطلقات وللوقاية من تأثير الفكر الضال على أبنائنا يجب أن تقوم الأسرة بدورها الحيوي في التعامل مع هذه الفئة ومن جوانب عدة وتتمثل في:
1- العناية بتكوين مفهوم وتقدير للذات بشكل إيجابي وذلك من خلال:
أ- النظرة الإيجابية لهم.
ب- مشاركتهم في اتخاذ القرارات.
ح- تعزيز سلوكياتهم الإيجابية.
د- التقبل غير المشروط لأفكارهم وآرائهم.
هـ- المناقشة والحوار لهذه الأفكار وعدم ترك المجال للفئات الضالة لتقديم أفكارهم من خلال إعطائه فرصة التحاور معهم.
و- تعزيز تحمل المسئولية.
2- العناية بالجوانب النفسية الاجتماعية من خلال:
أ- تضمينهم في المجتمع لإشباع حاجة الانتماء.
ب- المساهمة في تشكيل هوية شخصية واجتماعية تنسجم مع هوية المجتمع العام.
ح- العناية بالعلاقات البينية في الأسرة في مجال المشاركة والاهتمامات وعمق هذه المشاركات.
ه- استدخال القيم المجتمعية.
و- تقبل الآخر وعدم الجمود الفكري.
ومن خلال حاجات وخصائص المراهق وقصور دور الأسرة، فإن للفكر الضال مساحة للدخول إلى أبنائنا من خلال عملية الإقناع والتأثير على أفكار الشباب وذلك باستخدام العديد من الإستراتيجيات والتكنيكات، ومن أبرز تلك الإستراتيجيات والطرق المعرفية كإحداث تنافر معرفي لدى الأفراد لكي يسهل تقبل تغيير اتجاهاتهم والاهتمام بالجوانب النفسية وإشعار المراهق بالاهتمام وبقدرته على إحداث التغيير وإعطائه الأهمية وتقدير ذات عالي والتركيز على الجانب الانفعالي وتهييج عواطف الأفراد لتولد لديهم أفكار جديدة لا تتفق مع الأفكار السابقة.
وأخيراً لكي تلعب الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام دور كبير في الوقاية من الفكر الضال يجب القيام بتدابير وقائية من خلال عملية التصدي لعملية الإقناع وتتمثل في الإجراءات التالية:
1- إدراك أن الكل مستهدف بعملية الإقناع، فلا تعتقد بأن ابنك في معزل عن الاستهداف فاحرص على تقديم ما يجب عليك تقديمه.
2- تبني إيضاح الأفكار الضالة وتقديم الحجج لصدها.
3- إيضاح الأساليب التي يقومون بها للإقناع وكيفية وصولهم للأفراد.
4- تحفيز أفراد الأسرة بالالتزام بمعتقداتها وأفكاره بشكل علني.
5- القدرة على استخدام التفكير الناقد وعدم الاستسلام لأي فكرة يتم طرحها.
وفي النهاية نسأل الله العلي القدير أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ لنا ولاة أمرنا ويصلح أبناءنا ويثبتهم على طريق الحق.
- متخصص في علم النفس الجنائي وعلم النفس الاجتماعي