حتى عام 1415هـ اقتصر التعليم الجامعي بالمملكة العربية السعودية على التعليم العالي الحكومي فقط، لكن نظرا لتعقد الظروف والتغيير المستمر وازدياد الاحتياجات الاجتماعية كان لا بد من وجود مؤسسات تعليمية أهلية موازية للحكومية تقوم بتلبية احتياجات سوق العمل لذا تضمنت الخطة السادسة للتنمية ( 1415-1420هـ) توسيع قاعدة التعليم العالي من خلال إشراك القطاع الخاص بافتتاح الجامعات والكليات الأهلية لتلبية احتياجات التنمية المتزايدة.
في الفترة من (1418- 1427هـ) صدرت الكثير من القرارات إما من قبل التوجيهات السامية أو مجلس الوزراء أو معالي وزير التعليم العالي، تضمنت القرارات: إنشاء الكليات والجامعات الأهلية، اللائحة التنظيمية للكليات الأهلية، القواعد التنفيذية والإجراءات الإدارية والفنية للائحة الكليات والجامعات الأهلية، و التسهيلات الحكومية كتأجير الأراضي الحكومية بأسعار رمزية وتقديم القروض الميسرة للكليات الأهلية والقرار السامي الكريم بتاريخ 18-8-1427هـ الذي نعتقد أنه أنعش التعليم الأهلي والمتضمن الموافقة على مشروع المنح الدراسية لطلاب وطالبات التعليم العالي الإهلي.
بحسب موقع وزارة التعليم يوجد حاليا عشر جامعات و 39 كلية أهلية تنتشر في كل مناطق ومدن المملكة تغطي كافة التخصصات تقريبا كالطب والعلوم الطبية التطبيقية، الهندسة والعلوم الإدارية وعلوم الحاسب وغيرها من التخصصات. فبحسب إحصائية وزارة التعليم لعام 1434ـ1435هـ فإن إجمالي المقيدين في الكليات والجامعات الأهلية بالمملكة هو 74.569 لكافة المراحل التعليمية الجامعية.
يعتبر التعليم الأهلي الجامعي نقلة نوعية وخطوة طال انتظارها في تاريخ التعليم العالي بالمملكة وتغيير سيسهم في تنمية البلاد وتلبية احتياجات المجتمع والأفراد ومكملا جنبا إلى جنب للدور الذي تقوم به الجامعات الحكومية. لكن النظرة له من قبل المجتمع و سوق العمل تشوبه الضبابية وعدم الثقة فأولياء الأمور والطلاب وأيضا سوق العمل لا زالوا يفضلون الجامعات الحكومية على الخاصة، لا بد من الإشارة هنا أن لا ضير من بعض التردد لكون الفرد جبل على الخوف والتهديد من بعض المستجدات التي قد تسبب شيئا من القتامة وذلك لكون التعليم العالي كان متاحا فقط من قبل الجامعات الحكومية لأكثر من خمسون عاما من تاريخ التعليم العالي بالمملكة. ما يجدر الإشارة له هنا أن المناهج الدراسية وتنظيمات وشراكات الجامعات والكليات الخاصة لا تعتبر سارية إلا بموافقة وزارة التعليم أي أن الوزارة هي المشرف العام على كل ما له علاقة بالتعليم سواء كان عاما أو عاليا حكوميا أو أهليا. إن وزارة التعليم بموجب اللائحة التنظيمية والتنفيذية للجامعات والكليات الأهلية وضعت ضوابط وإجراءات دقيقة تضمن إلى حد كبير صلابتها والثقة في جودة خريجيها كما عقدت الكثير من الجامعات والكليات الأهلية لدينا برامج شراكات مع جامعات عالمية. تجدر الإشارة هنا إلى أن أعدادا من الجامعات والكليات الأهلية لدينا رغم قصر عمرها الزمني تحظى بريادة في مجال التعليم العالي تنافس وربما تفوق الجامعات الحكومية. هذا لا ينفي وجود عدد من الكليات الأهلية تسعى للربح مهملين الجودة في التعليم لكن هذا القسم في نظري سيتلاشى ويختفي إذا لم يسعى ملاكه والمسؤولون عنه للتحسين من مستواهم نظرا للتنافس الحاد بين الكليات والجامعات الأهلية من جهة وبين التعليم العالي الحكومي والأهلي من جهة أخرى وهنا دعوة لدراسات مخرجات التعليم الأهلي مستوا وتوظيفا.
أن التنوع في التعليم العالي ـ الحكومي والأهلي ـ إثراء للساحة الوطنية وتلبية لاحتياجات سوق العمل المتزايدة. أعتقد أننا تجاوزنا المرحلة الأولى وهي رسم اللوائح التنظيمية والتنفيذية للجامعات والكليات الأهلية وأحقية وزارة التعليم ـ وهذا لا لبس فيه ـ في الإشراف على جودة التعليم ومستوى المخراجات التعليمية كما ونوعا. ولموائمة التعليم الجامعي مع رؤية المملكة 2030 والتي تسعي لخصخصة التعليم وعلى الوزارة في المرحلة المقبلة خلق بيئة تنافسية في التعليم العالي بين الحكومي والأهلي وألا تجعل اليد الطولى للجامعات الحكومية على الجامعات والكليات الأهلية فإن هذا من شأنه أن يخلق نسخا مكررة من جامعاتنا الحكومية وهذا ما لا نريده وما لا نطمح له، فوجود أعضاء هيئة تدريس من جامعات حكومية في مجالس الأمناء للجامعات والكليات الأهلية ترشحهم وزارة التعليم لا ميزة لهم سوى إنهم عملوا في الجامعات الحكومية لن يخلق بيئة تنافسية كما أن ضرورة أن يكون عميد الكلية عمل مسبقا في جامعة حكومية لا يخلق بيئة تنافسية أيضا نعم ما نشد عليه هو أن يكون سعودي أو سعودية الجنسية يحمل خبرة أكاديمية سواء في التعليم الحكومي أو الأهلي، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية ينظرون للجامعات والكليات الأهلية بنظرة تعالي وفوقية وأزدراء.
وهذه همسة لأصحاب القرار في الجامعات والكليات الأهلية بتأهيل والاستفادة من حملة الدكتوراه ممن تخرجوا حديثا وتأهيلهم ليتقلدوا زمام الأمور وتطبيق أفضل المعايير العالمية للإرتقاء بالتعليم الأهلي.
تطوير المناهج يمر بعدة خطوات إلى أن يقر من قبل وزارة التعليم، ومن ضمن تلك الخطوات بناءً على لوائح وأنظمة التعليم العالي الأهلي هو أن يراجع و يقر المنهج من قبل جامعة حكومية حتى وإن كان هذا المنهج معد من قبل أعرق جامعات العالم كجامعة هارفرد وعمل على تطويره أفضل أكاديميي العالم! فيجب أن يراجعه فريق من جامعة حكومية! ولا ضير في أن يراجع تطوعيا لكن الجامعات الحكومية لا تراجعه وتقره إلا بمقابل مادي دسم، هذا الإجراء من شأنه أن يسهم في خلق نسخا مكررة من المناهج التي تدرس في الجامعات الحكومية وأيضا الأهلية ويقتل النفس الإبداعي ولن يساهم في خلق بيئة تنافسية لا في المناهج ولا في طرق وسبل التعليم.
نعلم جيدا أن تطوير المنهج التعليمي في أي بقعة في الأرض يخضع لمؤثرات خارجية وداخلية إيجابا وسلبا. من ضمن تلك المؤثرات الخارجية التكوين الديموغرافي والمناخ العام التعليمي للبلد فما يناسب اليبانيين على سبيل المثال قد لا يناسبنا إلا بعد أن يدرس ويمحص لمدى مواءمته لبيئتنا وطلابنا، من ناحية أخرى تعود العوامل الداخلية لتطوير المنهج والبرامج التعليمية إلى المؤسسة التعليمية فيجب أن تتوافق المناهج التعليمية مع رؤية وتطلعات وإمكانيات المؤسسة التعليمية، وهذه همسة لوزارة التعليم وأيضا مؤسسات تعليمنا العالي الحكومي والأهلي بأن لا ميزة ولا حسنة ولا مفخرة ترجى من تطبيق مناهج دراسية ومعايير طبقت في بيئة علمية سواء في شرق المعمورة أو غربها من غير دراسة مدى موائمتها وتماشيها مع بيئتنا التعليمية.
إن ديمومة التعليم العالي الأهلي وبقاءه في معترك المنافسة مرهون بعدة عوامل نعتقد أن أهمها: الحرص على الارتقاء بجودة التعليم، الاهتمام بالبحث العلمي، والتحول من كليات إلى جامعات.
الارتقاء بالتعليم يتحقق بتطبيق الانتقال من نظام التعليم التقليدي إلى أنظمة تعليم حديثة كتلك التي تهدف إلى تنمية مهارات الطلبة وبناء الشخصية واكتساب المهارات المختلفة كمهارات الاتصال والبحث العلمي وغرس حب القراءة والكتابة وقياس أداء الطاالب وتقدير ملكاته في التصدي للمشكلات العلمية وتحفيزه على الملاحظة والاستنتاج، وضرورة التعامل مع الطالب كفرد ناضج ومعتمد بشكل كبير على نفسه في التحصيل الدراسي وإشراكه في العملية التعليمية لأنها هي الملكات التي نحتاجها لتلبية احتياجات سوق العمل في الوقت الراهن والمستقبل، وليس مجرد إرسال المعلومات من طرف المدرس ليتم استقبالها من طرف الطالب وتكريس حفظ المعلومات واسترجاعها.
التعليم والبحث العلمي هما طرفا المعادلة في التعليم الأكاديمي، أعطت الجامعات والكليات الأهلية جل تركيزها على التعليم وأهملت إلى حد كبير البحث العلمي وهذا أمر طبيعي لكونها في بدايتها ـ هذا ينطبق على جامعاتنا الحكومية أيضا ـ ولكي تستمر و تضمن ديمومتها على الكليات والجامعات الأهلية التوجه إلى الطرف الآخر من المعالة في التعليم الجامعي وهو البحث العلمي لأنه من صميم المهام المنوطة للجامعات هي التصدي لمشكلات وأحتياجات المجتمع الاجتماعية والإقتصادية والصناعية، خصوصا إذا ما توجهت هذه الجامعات والكليات إلى فتح برامج الدراسات العليا، كما أن من شأن البحث العلمي أن يدر أرباحا كبيرة على المؤسسات التعليمية العالية الأهلية في حال أعطي الاهتمام والدعم الذي يستحق.
نلحظ في الفترة الأخيرة أنه رغم الكساد وسياسة الاقتصاد والتقشف الذي تمر به البلاد لم تتأثر الجامعات الأهلية بالمملكة لأنها ببساطة تسير على خطى ثابته واستراتيجيات واضحة أكسبها ثقة المستهلكين من طلاب وأولياء أمور لا تنتظر منح دراسية لتضمن بقاءها وديموميتها، بالمقابل واقع هذا كان بحدة أشد على الكليات الأهلية لكون المنح الدراسية تمثل ما يقارب 90% من طلابها المسجلين مما أضطر بعض الكليات إلى تسريح بعض موظفيها وكادرها الأكاديمي، هذا بالإضافة إلى كوننا نعيش في قرية واحدة فالخيارات متاحة للطلاب إلى السفر والاغتراب للدراسة في أفضل جامعات العالم خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار التكاليف الباهضة للدراسة الجامعية الأهلية لدينا التي ربما تضاهي أو على أقل تقدير مقاربة للتكاليف الدراسية الجامعية خارج المملكة، لذا المنافسة في المستقبل ستكون شرسة لأن الجامعات والكليات الأهلية لا تنافس نظيراتها الحكومية فقط بل وأيضا تلك الجامعات الواقعة خارج الخارطة الجغرافية للمملكة.
- باحث وأكاديمي