إن الوجود المكثف والمتزايد لبعض فئات العمالة الوافدة وبخاصة تلك التي لا تتطلب الأعمال التي تقوم بها، تأهيلاً عالياً أو متخصصاً، قد تعدى الاحتياجات الحقيقية الفعلية للاقتصاد الوطني، وأصبح يُشكّل عائقاً أمام حصول العمالة الوطنية على الوظائف التي هي مؤهلة للقيام بها.
ومن المنظور الاقتصادي نقول إن العمالة الوافدة تكلف خزينة الدولة نفقات متزايدة خصوصاً في مجال التعليم والصحة، والخدمات الأخرى، وتؤدي التحويلات النقدية العكسية دوراً في تسرُّب رؤوس الأموال وتحركها إلى الخارج.
إضافة إلى أن وجود عمالة سائبة دون عمل وفي حالة بطالة، في أوساط العمالة الوافدة، يترتب عليه محاذير أمنية واجتماعية واقتصادية.
كما أن الطلب على العمالة الوافدة لا يزال كبيراً وفي تزايد مستمر، فقد زاد عدد تأشيرات الاستقدام للعمل بمتوسط قدره 43%.
المؤكد أن عدداً كبيراً من الأسر السعودية تعتمد على التستر أو المتاجرة بالعمالة كمصدر رئيس ووحيد للدخل، ولكن لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد هذه الأسر ولا معدل دخلها. وإن ذكرت إحدى الدراسات أنَّ ما لا يقل عن 500 ألف أسرة تعتمد بشكل رئيس ووحيد على التستر والمتاجرة بالعمالة كمصدر رئيس ووحيد للدخل.
لذا، تعدُّ ظاهرة التستر أحد أهم أشكال التشوهات الاقتصادية في السعودية، والتي يشير الكثير من الاقتصاديين إلى أنها أحد العوامل الرئيسة المسؤولة عن زيادة نسب البطالة، وإبطاء نمو القطاع الصغير والمتوسط للسعوديين الراغبين في إنشاء أعمالهم الخاصة. ولكن، لم يوجد حتى الآن دراسة علمية تبين حجم الاقتصاد (المتستر).
إنَّ تراكم عمالة وافدة تنتمي إلى قرابة مائتي جنسية، يوفر مناخاً لاستغلال بعض العناصر للقيام بأعمال تمس أمن البلد المضيف، أو التأثير باتجاهات مضادة للوطن الذي يُقيمون فيه، وهذا يرتبط بعدة عوامل تتعلق بالعنصر الأجنبي، كلٌ حسب معتقده الديني، وجنسيته، وفكره السياسي وانتمائه، ومستوى ثقافته.
إن الاقتصاد الأسود، الاتجار بالكادحين، يعمل خارج سيطرة أو حتى مشاهدة الدولة، وحجمه وتركيبه وتنوعه مع الزمن غير معروف، ويبدو أنه من تأثير قطاعات تتلاءم بطبيعتها مع الأشكال السائدة من المنافسة داخل النظام، وهي ليست بإيعاز اقتصاد وطني. إنه نظام رأسمالي خاص، بالرغم من أنه يعتمد على سرقة موارده من القطاع العام، فهو يعمل بشكل مستقل عن رقابة الدولة.
إن نمو أو اكتشاف الاتجار بالكادحين مسجل بوثائق داخل المناطق المركزية. كما أن وجود قطاع خفي في الاقتصاد قد قطع شوطاً لا بأس به، حيث ساعد المحللين الاقتصاديين على تفسير عدد من التناقضات.
هذا التنظير الاقتصادي لذلك النوع من العمل أو الاقتصاد المرتبط بالكادحين، يمكن تلمسه من خلال نقطة تجمع: عمالة تبيع عمالة.ظاهرة تستحق إثارة الانتباه لها، وقضية خطيرة يستوجب منا جميعاً أن نقف يداً واحدة في وجهها، منعاً للاتجار غير المشروع والتعامل الخفي، حماية وأمناً للوطن، أبنائه ومجتمعه واقتصاده.
- المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
zrommany3@gmail.com