فواز السيحاني
(هناك أشخاص سمعوا أن الوطن ثمين فباعوه!)
كتب أحد المنتسبين للعرب والمصاب بالتضخم في الأنا والجهالة السياسية مقالاً يقترح فيه أنّ على المملكة ودول التحالف العربي استغلال الاتفاق الأحادي بين الخائن علي عبد الله صالح و النكرة عبد الملك الحوثي؛ وماهية هذا الاستغلال هو أن تُعلن المملكة الانسحاب عاجلاً؛ لتقديم رسالة من نوع فاخر وهي: أننا نحترم اليمن ونتركه لشأنه؛ ليقرر حاضره ومستقبله. بجانب التأكيد الذي سنقدمه للعالم أجمع في كونِنا نؤمن وبشكل عميق بالإنسانية والحوار. هذه النقاط المستفزة والتي تشبه الزكام المزعج تتسم في رأيي بخاصية السخافة والتدني الفائق على مستوى التحليل السياسي والرؤية الفكرية التي يفتقر لها الكاتب،ولو كنتُ رئيساً للتحرير لما جعلته يلقي عليَّ تحية الصباح فضلًا عن استكتابه؛ ليس بسبب عدم احترامي له على المستوى الشخصي؛ بل لأنه يروج لعدوى الغباء الجماعي بطريقة كارثية، فهو في ظني لم يقرأ في حياته كتابا سياسيًا واحدًا؛ لأنه لو فعل ذلك حقًا لتذكرّ بأن القيمة الإنسانية التي يؤمن بها الكيان الدولي في القارة البيضاء قد قتلت سبعة وعشرين مليون بريء في الحرب العالمية الأولى، و ثلاثة عشر مليونا بدون ذنب من الهنود الحمر تحت شعار التنمية وتطوير الإنسان البدائي!، ناهيك عن الصمت المتوحش إزاء ما يحدث الآن في سوريا والقذائف الروسية والبعثية والصفوية التي تسقط من السماء وتقتل الأطفال وهم نائمون ويحلمّون كسائر البشر أن تنتهي الحرب، في حين أن المملكة تتصدر دول العالم لسنوات طويلة فيما يتعلق بالخدمات الإنسانية والتبرعات المالية وليس تصدير الأسلحة القاتلة والخلايا التي تصنع الدمار، حتى إيران البشعة أرسلنا لها: الغذاء، الغطاء، الدواء، كان ذلك إبان زلزال عام 2013، ولم يكن لنا أن اتخذنا في يوم ما سلوكيات تجاه الدول المجاورة تحت أي ذريعة توسعية أو غير شرعية.
هذا الكاتب قبل أن يقدم توصياته السياسية كان عليه أن يتصفح ولو سريعاً الكتاب الشهير «لعبة الأمم» الذي كُنّا نقرأهُ ونحنُ صغار والذي أبرز فيه المؤلف أن القيمة الأخلاقية للقوى الدولية هي النفعية المادية وزرع الخلايا الدموية في المناطق المستقرة؛ لأن ذلك يعني استمرار استيراد الأسلحة المدمرة وارتفاع النمو الاقتصادي للدول الراعية، وهذا ما يؤكد عليه أيضًا لأكثر من مرة وزير الخارجية الأسبق وثعلب السياسية الأمريكية هنري كسنجر.
ولعل أكبر دليل على استمرار هذا النهج النفعي حتى الآن هو ما حدث مؤخرًا مع سفيرة الاتحاد الأوربي « باتينا موشايت» التي تلتقي بسرية تامة مع المتمرد الحوثي مقدمة لهم وعلى طبق من ذهب النصائح والإرشادات.
هذا الكاتب لو قرأ التصريحات الدولية والاستخباراتية؛ لتيقن بأن تدخل المملكة هو احترام للشرعية ولإرادة الشعب اليمني ولصد التمدد الإيراني على المستوى الجغرافي لأنها تتخذ من المكون الحوثي مادة خصبة لصناعة حزب يسمى بـ «حزب الله اليمني» ليردد نفس الشعارات المضحكة التي يرددها حسن نصر الله: (الموت لإسرائيل... الموت لأمريكا) وهو يعقد التحالفات في الخفاء التي تدفع ضريبتها الشعوب والدول، كما حدث في لبنان والعراق.
والآن يجب أن نعرف: هذه الحرب وإن طالت هي حرب مصيرية ستغير خارطة الشرق الأوسط وتحديداً منطقة الخليج بدلًا من أن تكون كالطائرة المخطوفة التي لا تعرف متى ستهبط، وبأن الشرفاء في اليمن والقيادة في المملكة لن يتنازلوا عن هذه القضية حتى لو قطعنا نحن كشعوب أذرعتنا وصنعنا منها بنادق وقذائف؛ فالأوطان ثمينة ولا تباع لأهداف ربحية أو شخصية. وسندخل قريباً صنعاء شهداء أو أحياء.