د. عبدالحق عزوزي
قرر الملك محمد السادس إطلاق اسم «مجلس التعاون الخليجي»، على الفوج الجديد من الضباط المتخرجين من المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية لهاته السنة، وذلك بمناسبة الاحتفال بذكرى اعتلائه السابع عشر لعرش أسلافه العلويين.
الملك محمد السادس إيماناً منه بهذا التعاون الاستراتيجي الفريد من نوعه، لم يفوت الفرصة دون توجيه عدد من الرسائل للضباط المتخرجين هذه السنة، إذ قال: «قررنا أن نطلق على فوجكم اسم مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لما يربطنا بأشقائنا قادة الدول الخليج الشقيقة من علاقات الأخوة والتفاهم، وما يجمعنا من شراكة إستراتجية قائمة على التعاون المثمر والتضامن الملموس»، مضيفاً: «كونوا في مستوى ما يجسِّده هذا الاسم من قيم الوفاء الدائم والالتزام الصادق، وذلك في تشبث مكين بشعاركم الخالد: الله الوطن الملك».
هذه الخطوة تأتي بعد سنة استثنائية عرفتها العلاقات بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي، إذ قام العاهل المغربي بزيارة عدد من البلدان الخليجية، كما شارك في القمة الأخيرة التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض، ووجّه خلالها رسائل قوية، خاصة للقوى الكبرى على الصعيد الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة، وهي القمة التي توجت ببيان تؤكد فيه الدول الخليجية دعمها المطلق للمغرب في قضية وحدته الترابية.
وإذا صحّ لنا تلخيص هاته العلاقة المتينة في كلمتين لقلنا إنها استراتيجية وأخوية. والإستراتيجية في جميع مستوياتها معرفة بأنها حساب الأهداف والمفاهيم والموارد ضمن حدود مقبولة للمخاطرة، لخلق نتائج ذات مزايا أفضل مما يمكن أن تكون عليه الأمور لو تُركت للمصادقة أو تحت أيدي أطراف أخرى. والإستراتيجية تعرف رسميًا في المنشورات المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية في الفقرة 1 البند 02 بأنها: «فكرة أو مجموعة أفكار حكيمة من أجل توظيف أدوات القوة الوطنية بطريقة منظمة ومتكاملة، لتحقيق أهداف معينة في مسرح العمليات وأهداف وطنية و/ أو متعددة الجنسيات». وهناك تقريباً سبعة عشر بعداً للاستراتيجية كما يقول كولن إس. جراي وهي: الأشخاص، والمجتمع، والثقافة، والسياسة، والأخلاق، والاقتصاد والإمدادات اللوجستية، والمؤسسة، والإدارة، والمعلومات والاستخبارات، والنظرية الاستراتيجية والعقيدة، والتقانة، والعمليات، والقيادة، والجغرافيا، والاحتكاك/ المصادفة/ التوجس، والخصوم، والزمن. وهذه الأبعاد يجب أن تؤخذ بالحسبان بكليتها، أي باحتساب كل بعد منها فردياً من دون إغفال أي منها، مع احتساب تأثير البعد الواحد في سياق علاقته مع الأبعاد الأخرى.
ثم إنّ غرض الاستراتيجية هو ترجمة الغرض السياسي (الهدف الوطني، والمصالح القومية، ودليل السياسة) إلى تأثيرات تشكل البيئة الاستراتيجية على النحو المفضل. وهي شاملة في نطاق رؤيتها ومحددة في حقل تنفيذها. فالاستراتيجية تُعنى بالمستقبل وتحليل المشكلات وتجنبها، وهي تؤدي هذه المهمة من خلال تقويم دقيق للبيئة الاستراتيجية لتحديد وانتقاء العوامل الاستراتيجية الأساسية، التي يجب أن تعالج لخدمة مصالح الدولة بنجاح.
فالرؤية الشخصية لصانع السياسة أو الخبير الاستراتيجي تتضمن نظرة موضوعية للبيئة الحالية، وتقويماً مسبقاً لنتائج الاستمرارية والتغيير داخل هذه البيئة، بصورة تضمن ازدهار بلاده في المستقبل. ويعتبر الخبير الاستراتيجي بأن المستقبل لا يمكن التنبؤ به، ولكنه على يقين أنه يمكن التأثير فيه وتشكيل ملامحه للوصول إلى نتائج أفضل....
كما أنّ العلاقات هي أخوية بفضل عوامل التاريخ والإرث الحضاري والثقافي والمجتمعي المشترك. وبسبب الأوضاع المزرية التي تمر منها المنطقة العربية، نتذكر عندما حذر العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه في القمة الخليجية المغربية الأولى من «مخططات مبرمجة» تستهدف الدول العربية، ومؤامرات تستهدف المساس بالأمن الجماعي لدول الخليج والمغرب والأردن، التي وصفها بأنها واحة أمن، مؤكدًا أنه يعتبر أمن واستقرار الخليج من أمن بلاده». فالمغرب دولة مستقرة ومنفتحة استطاعت أن تقطع أشواطاً في تثبيت وتجذير أسس الدولة الحديثة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت فاعلاً محورياً في إفريقيا وأوروبا والفضاء المتوسطي، وعامل ردع للإرهاب العابر للقارات بفضل حنكة مؤسسته الملكية وقوة أجهزته ومؤسساته، وتتقاسم مع دول الخليج العربي نفس القواسم ونفس المصير المحتوم؛ ودول الخليج العربي هي واحة أمن واستقرار بفضل عوامل النمو والتنمية التي حققتها وعوامل الثقة التي تجمع الحاكمين بالمحكومين، ولكنها واحات وسط براكين راكدة أو مشتعلة تستلزم سياسات استراتيجية مبنية على التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين دول الخليج والمغرب.