علي الخزيم
العُرْسُ: هو الزفاف بوليمة تصاحب الاحتفالية، يفترض أن تكتنفها معاني ومشاعر البهجة والأنس، فالعُرْسُ كلمة عربية تعني الفرح، وتأمّل حركات الكلمة فلو تغيّرت الحركات لتغيّر المعنى، وهذه من جماليات لغتنا، وللصيف موعد للأعراس، وفي نجد الابيّة أجد أن أجمل ما في أعراسها الالتقاء بأصحاب وأقارب لم تكن لتراهم بسهولة لو لم يكن هذا الفرح، والواقع أن ليس هناك ما يشغلك في الفرح عن التنقّل للسلام وتبادل التحايا مع المعارف من الحضور، وهي الوسيلة الوحيد لتمضية وقت قد يراه البعض غير ممتع لرتابته وعدم التجديد بالاحتفاليات وخطوات مراسمها لاسيما ما يخص الرجال، فالغالب أن لا جديد يُذكر ما عدا تغييرات طفيفة على مائدة الطعام، وهذه الرتابة هي سبب رئيس لاعتذار كثير من المدعوين عن عدم الحضور الذي سيكلفهم - إن كانوا مثلاً بالرياض - ساعة في الزحام بدرجة حرارة مرتفعة وترك ارتباطات أسرية، والأصعب من ذلك إن كان الفرح بوسط الأسبوع، ولم تنجح بعض فقرات العرضة التي تقدّم على استحياء أحياناً بجلب مزيد من الحضور، وقد يجد بعض الحضور انسجاماً مع أنغامها إلا أنه يُحْجِم عن المشاركة بزعم حفظ المكانة.
في مناطق غير الوسط يكون الجذب أقوى والحضور أكثر؛ نظراً لعادات وتقاليد ما زالت محل اهتمام يصاحبها ألوان من الفلكلور الشعبي المحبب لأهالي المنطقة وتجد أن عِلْيَة القوم بكل الطبقات يشاركون بالاحتفالية ويشعرون (بعكس غيرهم) أنها تقرّبهم إلى محيطهم الاجتماعي وتنثر البهجة بين الحضور، مع احتفاظ كل بقيمته وقدره ومركزه، بل إنها تزيد (البريستيج) الذي بات كل يبحث عنه.
في بلد عربي يعشق الطرب دعاني صديق لحضور عرس لهم في إحدى الصالات التي وصفها بأنها جيدة، وما زلت أشعر بالصداع كلما تذكّرت تلك الحفلة، فالفرقة التي زعموا أنها(تُحْيِي) الحفل الساهر كانت تجمع كل ما تم ابتكاره من آلات طربية، ثلاثة أرباعها لا لزوم له سوى التنفُّع على حساب (المقرود)، وبرز شاب لا تدري كيف تُصَنّفه من لبسه وقصة شعره، وأخذ يزعق وينعق ويرفع يديه للحضور بأن هيا غنوا معي، واهتزت القاعة وارتجفت بهز لحوم متراكمة أعلى الأجساد ووسطها بشكل عكسي لا أعرف كيف أتقنوه، صخب باليمين ورجف بالوسط وصراخ وتقافز باليسار ويسمون هذا (الزلزال) بالفن الشرقي، بالمقابل كنت حضرت مناسبة مماثلة في باريس أستذكرها كلما حضرت عرساً لكونها هادئة ممتعة برومانسية عذبة وترتيب وتنسيق احتفالي خلاّب، استشعرت البهجة وإن لم أعرف لغتهم، وفي تركيا كذلك قادتني الصدف لفرح كان غادقاً بالأنس والمسرات وأطايب الحلويات، والمشاركات المرحة والأنغام الشجية تتمنى معه ليلاً طويلاً، وفي تونس قدّرني وعائلتي صاحب الفرح فقدّم لنا الشاي بالمكسرات لأول مرة أتذوقه فيما وصفوه بالتقدير العالي بمنطقتهم، ومضت ليلة تستحق كلمة (عُرْس).
الاندماج بمراسم الفرح (البريء) لا ينقص أحداً قدره، فلنجعل أعراسنا عابقة بنسائم الود والورد، ورياحين الصفاء والوفاء، وأن لا نحوّلها إلى (نسخة من مجالس العزاء).