سهام القحطاني
«دائما التاريخ يخلق رابحين وخاسرين جدد»-بوول كنيدي-.
هل انتصرت إسرائيل على العرب؟
إن مسألة النصر و الهزيمة تُقاس بالمنجز الذي يتحكم في حركة الواقعي، وإسرائيل اليوم هي المنجز الذي يتحكم في واقع المنطقة العربية سواء دفن العرب رؤوسهم في التراب أو رفعوها، ففي الحالتين موقفهم لا يؤثر في عدمية هذا الوجود، فمسألة تحصيل الاعتراف مسألة وقت غالبا.
وهذا تقاطع رئيس في الصراع العربي الإسرائيلي، فبينما يرى العرب أن الواقع لا يُشرع الاعتراف بالوجود، ترى إسرائيل أن الواقع هو «قانون شرعية الاعتراف».
لقد انتصرت إسرائيل على العرب في مسألة النشأة والتشريع الدولي بالاعتراف بها لعدة عوامل منها، غلبة التفكير الوجداني على العرب مقابل التفكير العملي والعلمي عند إسرائيل التي جعلتها متفوقة على الشعوب العربية علما وفكرا وابتكارا، اختلاف مفهوم القوة فالعرب اعتمدت في إنتاج قوتها على مصدرين هما؛ الكم؛ عدد الشعوب العربية، والمتاجرة بالوجدانية التاريخية، وكلا المصدرين لا يمكن أن يضمنا قوة حقيقة مستدامة لارتباطها بردة الفعل، أما إسرائيل ونظرا لعدم وجود العدد المتكافئ مع العرب فاعتمدت قوتها على مصدري العقل والسلاح الذي لا يحتاج إلى عدد كبير من الجنود، إضافة إلى صناعة التأثير على الرأي العالمي واستثماره، في حين فشل العرب في صناعة أي تأثير عالمي للتفاعل مع مظلوميتهم التاريخية.
قد يرى البعض أن إسرائيل قد كسبت «صك شرعية الاعتراف بالوجود» من قوى العالم وأنها أصبحت وفق صك تلك الشرعية جزءا من الشرق الأوسط، فلماذا تحرص على اعتراف العرب بشرعيتها الوجودية رغم مساندة القوى العالمية؟.
وقبل ذكر عوامل حرص إسرائيل على الاعتراف العربي بشرعيتها، أوجز الأسباب التي تمنع العرب من الاعتراف بهذه الشرعية وهي:
*إفساد الطبيعة السياسية العربية؛ الخوف من عدم التكافؤ السياسي بين العرب وإسرائيل، وفي نظرة سريعة فاحصة سنجد أن الطبيعة السياسية متشابهة في كل الدول العربية فالحاكمية السلالية تغلب تلك الطبيعة حتى في الجمهوريات، كما أن المعارضة السياسية العربية هي معارضة شكلية.
لكن في إسرائيل الأمر مختلف فالرئيس هو واجهة سياسية والحكم الفعلي لرئيس الوزراء ،كما أن المعارضة في إسرائيل معارضة حقيقية، وهذا قد يفسد نوع الطبيعة السياسية العربية.
*الفوقية العرقية التي يتصف بها العرب، وهذا حاجز نفسي مهم، فالاعتراف بإسرائيل سيجعلها جزءا من المنطقة العربية، و الإسرائيليون هم مجموعات مختلفة من عرقيات وأجناس متباينة لا يجمعهم بالعرب لا لسان ولا عرق ولا دين، ولذلك يذهب شمعون بيريز إلى أن السلام الحقيقي بين العرب وإسرائيل لن يتحقق إلا بتحييد الهوية الدينية والثقافية وهذا الأمر يتطلب كما قال إلى «ثورة على المفاهيم» عند العرب.
*خيانة قدسية التراث الديني العربي؛ فالقدس تمثل قيمة دينية كبرى في وجدان العرب، ولن تتنازل إسرائيل عنها،واعتراف العرب بإسرائيل يعني سيطرة إسرائيل على القدس، وهو ما قد يٌعتبر خيانة عربية لذلك التراث.
*إفساد النظام الأخلاقي من خلال الاختلاف الشاسع بين النظام الأخلاقي العربي والإسرائيلي.
*تفكيك القيمة الكبرى للعرب؛ الوحدة العربية والدينية والثقافية ليسمح بدمج دولة يهودية غير عربية في المنطقة لتتجاوز دلالة الشاذ.
أما أهمية حصد إسرائيل اعترافا عربيا بشرعية وجودها في المنطقة فيعود إلى الآتي:
* إن هذا الاعتراف هو تفنيد رسمي لكل استحقاقات العرب التاريخية في فلسطين، فالاعتراف بدولة إسرائيل فيه إسقاط للاستحقاق التاريخي والديني العربي قبل الجغرافي.
* سيضمن لها سلاما شاملا ومستمرا.
* سيطهرها من كل خطاياها ضد الفلسطينيين و يحولها من الجاني إلى الضحية.
* سيفتح لها أبواب الدول العربية على مصارعها لكل ما هو إسرائيلي، وهو ما يحقق التنمية الاقتصادية لدولة إسرائيل، والتحكم في الاقتصاد العربي، ومن يملك الاقتصاد يتحكم في السياسة.
إن إسرائيل رغم كل المساندات الدولية لشرعيتها لا تستطيع العيش بسلام وهي منبوذة من جيرانها العرب، فالنبذ لن يحقق لها مكاسب اقتصادية أو السلام ،ولذا فالاعتراف العربي بشرعيتها قيمة مصيرية لها، كما يمثل هذا الاعتراف بالنسبة للعرب أزمة فكرية وتاريخية و وجدانية.
ومما يعقد أزمة الاعتراف العربي بإسرائيل تمسك كلا الطرفين بمفهومه الخاص للاعتراف ومواصفاته وخصائصه.
فهل ستعترف العرب بدولة إسرائيل وفق شروط الإسرائيليين مقابل السلام؟ هكذا يقف العرب اليوم ما بين أزمة الاعتراف و مأزق السلام. وهذا حديث آخر.