عندما تكون أنت السبب لما أنت فيه، فلا تنسب لغيرك السبب لما أنت فيه، وهذا يتطلب مثالية متجردة من كل تأثير.. وتكاد تكون مستحيلة. إلا أن استحالتها، لا تحول دون إدراك الوعي الباطني لحقيقة المشكلة التى هو فيها، أنه كان السبب لما هو فيه استمعنا للرئيس الفرنسي، والمدعى العام الفرنسي تلفظا بين ثنايا حديثهما عن حادثة مدينة نيس الفرنسية، بأن الجريمة لم تتبين خيوطها هل هي بدوافع الإرهاب الاسلامي؟! الموقع الجغرافي للعالم العربي على الخصوص، جعله محور ماضي أحداث التاريخ ومحط أطماع المستعمرين الذين بذروا الحقد والضغينة، وسقوها وخصبوها بسلطان العسف والتسلط، ولكيلا يتفرع الموضوع نقتصر على المغرب العربي بعمومه الذي كان تحت سلطة الاستعمار الفرنسي مددا طالت مائة وثلاثين سنة فهل يتذكر الفرنسيون،كم قتلوا فيها من أبناء ما تحت أيديهم من المغرب العربي وكم قتل من أبناء المغرب العربي على يد المستعمرين لتلك الاقطار؟ أليست الجزائر المنعوتة ببلد المليون شهيد ؟ استشهد في سبيل إخراج القوات الفرنسية منها، وبين ابناء المغرب العربي من سخر للخدمة سواء العسكرية او اللوجستية، أو الرصد والتجسس، وهؤلاء أصبحوا حين انسحاب المستعمرين، أهدافا للمواطنين مما اضطرهم للهجرة بمعية المستعمر المنسحب، فما كان جزاؤهم؟ كانوا كبضاعة تاجر استورد مجموعة من القطعان فأواها في الحظائر النائية، ومثلهم عومل المهاجرون ممن ظنوا بإجادة للغة المستعمر ميزة لهم تعينهم على كسب عيشهم بكرامة فوجدوا أنفسهم منبوذين مبعدين على أطراف الحواضر، لاعلاقة لهم بالمجتمع الذي منحهم جنسيته كمواطنين ولكن هذه المنحة لم تسمح لهم بممارسة حياتهم الاجتماعية الطبيعية بتقبل المجتمع الغربي عموما، والفرنسي خصوصا لهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات هذه المعاملة والنظرة أذكت نوازع الانتقام، واستعادة ذاكرة آبائهم لتاريخ التعسف والتسلط تحت ظل الاستعمار، واستمرار النظرة الدونية للمواطنين من أصول مهاجرة غير غربية وما حدث في فرنسا، وما حدث في أمريكا بين الملونين والبيض من تفرقة عنصرية، بينما كلهم من أصول مهاجرة بيضهم وسودهم،ولم يضطهدهم أهل البلد الاصليين «الهنود الحمر» بل هم من اضطهد الهنود الحمر فلا يستغرب فيما لو حدث من الهنود الحمر عمل مجرم. بأن يوصف بالإرهاب الاسلامي بدليل أن احداثا وقعت في اوربا لم يكن بين أطرافها مسلمون فخلت البيانات والتصريحات من اعلانصول من قام بها، بينما وصف الاسلام بالإرهاب عند كل حادثة إعادة الفاعل لأصوله إذا علم أنه حسب تقرير مكتب الشرطة الاوربية (يوربول) حول الارهاب في الاتحاد الاوربي نشرته صحيفة « الامارات اليوم « عن بطلان الادعاء السائد في الغرب، بأن الارهاب مرتبط بالإسلام وأن جميع المسلمين إرهابيون حيث بين التقرير بأن نسبة (99.6%) من المتورطين في الاعمال الإرهابية من الجماعات المتطرفة «التنظيمات الارهابية الفوضوية» مثل : المتطرفين المدافعين عن حقوق الحيوان، والمنظمات الانفصالية...
إلخ مضيفا بأن الدعاية اليمينية هي من تصور الارهاب الإسلامي « تهديدا وجوديا» وأضاف أن هناك مجموعات أخرى تنخرط في الإرهاب على نطاق أكثر اتساعا، ومع ذلك يتم التقليل من شأنها وفي المقابل هناك تهويل وتركيز متعمدان، عندما يتعلق الأمر بأعمال إرهابية يرتكبها مسلمون، وأوضح أنه من خلال تحليل معطيات الأحداث التي وقعت في أميركا وأوروبا اللتين تشكلان القسم الأكبر من العالم الغربي، فإن تهديد الإرهاب الإسلامي، أصغر كثيرا من الصورة المرسومة له، فهو يشكل 6% من الهجمات التي استهدفت الولايات المتحدة عام، 2008 مثلا وأقل من 0.5% من الهجمات التي استهدفت الاتحاد الأوروبي مما سبق يتبين أن المتسبب فيما هو فيه ينسب الاسباب لغيره وهو ليس من طبع ولا خلق المسلم.. الإسلام منذ ألف واربعمائة سنة بزغ فجره على العرب وبينهم، ولم يكن بين العرب قبل الاسلام الذى هذب أخلاقهم وسلوكهم ومقاصدهم إلا مجتمعات متحلية بالأخلاق الفاضلة، كا لصبر والحلم والرفق، والكرم والحياء والتواضع، والشجاعة والعدل والإحسان، وقضاء الحوائج وغض البصر وكف الأذى، والأمانة والصدق، والرحمة والوفاء، وطلاقة الوجه وطيب الكلام، وحسن الاستماع وحسن الظَّن، وتوقير الكبير، وإجابة الدَّعوة والإصلاح بين النَّاس، وعلو الهمة والإيثار والهدية وقَبولها، وجبر الخواطر ومُراعاة المشاعر وغيرها وقال رسول الإسلام: محمد صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهو ما يسطع بالحق أن المنظمات التي تتلبس بالإسلام لغايات سياسية كالقاعدة، وداعش، وغيرها مما هو معروف، وغيرها مما لا يعرف وسيأتي لاحقا ويعرف، بأسباب بذر نواتها وتخصيبها بالممارسات المتسلطة في سوريا والعراق ولبنان فما يعانيه الاوربيون اليوم حصاد لما بذروه، وروسيا ألقت بذور فتنتها في افغانستان، وهي تنثر بقاياها في سوريا وعليها أن تنتظر يوما فيه تحصد ما زرعته من ضغينة وقهر في صدور السوريين،ومثلها ايران بمخالبها القذرة المعروفة وللكل يقال : لا تنسب لغيرك سبب لما أنت مسببه.