تعد نظرية المؤامرة Conspiracy Theory أكثر النظريات جدلية والتي حازت النقد من كافة التيارات الثقافية حتى أصبحت لدى بعضهم مؤشرا على مستوى التفكير لمن يؤمن بها وحكماً عليه، ولذا أصبح الكثير يتبرأ منها ويصرح بذلك حتى وإن لم يكن في الواقع على قناعة تامة بغيابها خاصة أن كثيرا من شواهد الواقع الحي، وكذلك مصادر الثقافة التاريخية والحضارية على مستوى العالم تؤكد على صحتها من إيراد أخبار مفصلة لجمعيات سرية بعضها غارق في القدم، ومؤامرات وقعت على مدى التاريخ، في الواقع لا يهمنا تلك الأكثرية التي تبرأت للوذ بسلامة تأنقها الثقافي المصطنع، ولكن يهمنا تسليط الدور على الأقلية ذات الشجاعة بتمسكها بالمؤامرة كتفسير لكثير من أحداث ومنحنيات التاريخ، لأن هؤلاء تحديدا لم يقبلوا التأثير على رأيهم حتى وإن كان الثمن التعريض بانغلاقية فكرهم ولهم أهدي هذه المقالة، إن نظرية المؤامرة على ما يبدو فيها من إيغال في الاعتقاد بتربص غيره وإعداده المنظم وعمله من خلال التخطيط خلف الكواليس ولعقود طويلة تستهدف جماعات بشرية غافلة عن واقعها ومنساقة خلف احتياجاتها كالقطيع لهو اعتقاد مهما دلت الظواهر على صحته إلا ان فيه قدرا من المبالغة في وصف الخصم والإجحاف بقدرات الجماعة المستهدفة إلى درجة الاستخفاف بها مع تمرير العذر لتلك القطعان كسلوان وعزاء إذا ما وقعوا في الفخ، هذا إلى جانب أنها تعارض حقيقة ومسلمة يصعب الإفلات منها وهي استحالة استشراف المستقبل على المدى الطويل نسبيا، فأقصى ما يمكن التنبؤ به عند الاقتصاديين على سبيل المثال سنتين أو ثلاث وعلى أقصى مبالغة خمس سنوات، وذلك لأن التاريخ إذا ما نظر إليه باتجاهين متضادين نجد أن منحنيات المستقبل شديدة التقعر مما يجعل من المحال التنبؤ بما يمكن أن يحدث، وبالتالي وضع تخطيط وتنظيم لتوجيه وإلا أصبح المستقبل مبرمجا وممنهجا، بينما العشوائية هي الأصل، ومن جهة أخرى إذا ما نظر إلى التاريخ في شطرها المنقضي وجدت أحداثه وكأنها أمر متوقع ومتسق مع التسلسل التعاقبي وهذا من عجيب صنع الخالق، على سبيل المثال تندلع ثورة شعبية في بلد أو مجموعة بلدان ذات طابع مشترك وبشكل مفاجئ للجميع وغير متوقع إطلاقا وبعد مرور الزمن الكافي لاستيعاب أحداثها يتم تحليلها من خلال استعراض مسبباتها فيبدو أنه لو نظر إليها نظرة جدية في حينها لكانت متوقعة جدا ونتيجة طبيعة لأسباب تعود إلى التردي الاقتصادي والفوضالاجتماعية والعدالة المغيبة، ومع كل حدث جديد تتلاحق نفس النمطية من حدث مفاجئ غير مبرر ولا تفسير واضح لها في حينه ثم انقضاء فترة لاستيعاب الحدث يليه إعادة النظر ليبدو الأمر أنه منطقي ومتوقع، وكان يجب أن نفكر هكذا حينها، ولكن السؤال لماذا وقع الحدث هذه المرة تحديدا، وفي هذا الظرف الزماني أو المكاني؟ المسببات كان لها تواجد قبل طروء الحدث فما الذي حمل على هذا التوقيت بالذات؟ لا بد من وجود محفز حرك المياه الراكدة أو أشعل النيران تحت الرماد! ورغم ان الإجابة الصحيحة أن المحفز الطارئ هو نفسه عشوائيا غير متوقع ولا ممنهج، ثم تتوالى العشوائيات المتسلسلة لتضخم من آثار الحدث وتنقله من حيز لآخر، إلا أنه يبدو أن الإجابة الأكثر رونقا وتأنقا وأقرب إلى التفسير ذي الطابع النمطي على ذلك في التنظيرات التي تتوالى، إنه ما كان لها أن تندلع إلا بسبب أيد خفية عملت على تأجيجها لتحقيق مكاسب، ويبدو هذا التفسير مقبولاَ لأن هناك بالفعل من استفاد من تلك الثورة وقطف ثمارها وقفز إلى المقدمة وهذا هو لب نظرية المؤامرة!
dahlawil@gmail.com