ناصر الصِرامي
لازال الصيف في أوله ، ولا زالت حرارة أغسطس اللاهبة تسخن.. وفي الصيف تكون الأخبار والأحداث ساخنة عكس التوقع السائد عن موسم الإجازة الطويل.
ولا زال البعض يتمتع بإجازته، والبعض الآخر يستعد لوجهة جديدة جماعات وأفرادا، بدأنا الصيف بقصص هروب سعودية إلى جورجيا، وقصص اخرى مشابهة لم تأخذ الزخم نفسه !
لكن هل هروب السعوديات للخارج ظاهرة؟. الحقيقة انها قد تبدو كذلك، لكن لو هرب عشر او حتى مئة سعودية، أو لنكن ادق بكثير، ونقول ان اختيار عدد محدود من السيدات السعوديات البقاء أو الانتقال للخارج لوقت أطول ليس هروبا، بل هي ردة فعل لموقف أو مواقف ما، تتعلق بتلك الحالات الخاصة.
حتى طلب اللجوء لبلد ما غير البلد الأصلي هو مفهوم قضائي قديم يقضي بإعطاء الشخص الذي يتعرّض للاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو المعتقدات الدينية في بلده. وهو امر قد يصل للمرأة المضطهدة ايضا، لكن هذا موضوع آخر!.
لكن هذا التضخيم يتعلق ايضا بالجنسية (السعودية)، حيث القصة معها تكون أكثر إثارة، وحيث مشغلو وسائل التواصل الاجتماعي هم السعوديون بشكل متفوق عربيا.
نتابع هذه القصص، ونتابع في المقابل الجدل القائم حول قضايا النساء في بلادنا، ومنها قيود ولاية الرجل على المرأة، تلك الوصاية المطاطية التي لا تبقي ولا تذر من سوء الاستخدام إلى العنف وقصص حقوق تعرفونها جميعا، وجدل طويل يتعلق بوضعها العام وهضم (البعض) لحقوقهن، وعدم اخذ قضايا المرأة بالجدية المستحقة.
من جانب اخر يضخم البعض قصة هروب سعودية أو سعوديات أو اختيار البقاء خارج البلاد لوقت أطول دون موافقة «ولي أمرها « مثلا من اجل احكام الوصاية والولاية على المرأة السعودية باعتبارها غير جديرة بالثقة وبعض الحرية وكل الحقوق او ابسطها!
لكن لنتذكر ان نبش قصص الحقوق الأصلية، والظلم للمرأة سيخرج لنا قائمة طويلة من القضايا الانسانية العالقة لفتيات وسيدات ومُطلقات وأرامل تم التعامل معهن بإنسانية أقل، من العنف الأسرى لهضم ابسط حقوقهن الانسانية، وقيمتها كمواطنات مكتملات العضوية الوطنية في بلادها بواجباتها وحقوقها!
أما قصة الهروب فهي عموما قصة مثيرة، لكنها ليست غريبة او غير متوقعة، حيث تعج مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت مساحة من التعبير المباشر او غير المباشر بسعوديات يبحثن عن فرص عمل في الدول المجاورة، ودعوات وامنيات يومية بأن تتح لبعضهن السفر والعيش خارج الحدود.
وأزيد التوقعات بحدوث قصص مماثلة قبل نهاية الصيف، وعلى مدار العام، بل وأقول انها حكايات وقصص سنسمعها اكثر من اي وقت مضى.
يحدثنا اخصائيون اجتماعيون وأسريون اليوم عن مشكلة الهروب -باعتبارها ظاهرة- وتتوالى التحليلات النفسية، بما فيها تحليلات المؤامرة ووجود جماعات خارجية تحرض وتستدرج السعوديات للهروب إلى الرذيلة..!
بينما القصة الحقيقة ابسط من ذلك ، إنها تكمن في البيئة المحلية المحيطة، والتي تقيد وتقمع حياة طبيعية وكريمة لمواطنة في بلدها، كفرص عمل أكبر، حق في الاختيار وحرية القرار والتنقل والسفر.
من المخجل أن تتساوى القيود بين مراهقة وأستاذة أو دكتورة أو خبيرة.. بين طفلة وأمها وجدتها، فيما يمكن للذكر المراهق أن يكون وصياً وولياً على أنفاس كل أنثى!.