يوسف المحيميد
حينما شاهدت مقطع الفيديو للمرأة الشمالية المسنَّة وهي تصعد الدرج حبوًا في مكتب أحوال عرعر، يساعدها ابنها ومراجعون آخرون، بغرض استكمال أوراق إصدار هوية وطنية، دون أن يكلف الموظف نفسه عناء النزول لها، أو أن يتم تهيئة المكتب بمصاعد لخدمة كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، أقول حينما شاهدت هذا المقطع الكئيب، تذكرت فورًا اللقب الذي يحصل عليه الرجل أو المرأة في دول الغرب، حينما يُحال على التقاعد، ويصبح مسنًّا، ببلوغ الخامسة والستين عامًا، وهو لقب «سنيور»، مما يكسبه احترام المجتمع بأكمله، وتسخر له الخدمات كافة، ويمنح مزيدًا من التسهيلات، ويحصل على خصومات عالية في كافة الخدمات والصحة والنقل والترفيه وغيرها، فقط لأنه أصبح مسنًا، مما يفرض على الوطن أن يكفل له حياة كريمة في شيخوخته!
في الدول غير المتقدمة، لا يُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، ولا بكبار السن، ولا بالأطفال، فلا تجد لهم في الأماكن المخصصة في المواقع العامة، ولا تسهيلات التنقل، وإنما يصبحون عالة على هذه المجتمعات، وموضع تندر وسخرية، مما يجعلهم عبئًا على مجتمعاتهم فعلاً، ورقمًا زائدًا في دور كبار السن، أو العجزة كما يحلو لنا تسميتهم، بينما في الغرب، يتحول هذا «السنيور» الذي يتمتع بحياة كريمة، إلى عنصر فاعل، ويتحول إلى متطوع في أعمال خيرية جليلة متنوعة، حتى أنه يشعر بطعم الحياة ولذتها، بأن قدم خدماته التطوعية مجانًا، فهو ليس «صفرًا على الشمال»، وليس بحاجة إلى كسب المال كي يعيش، فراتبه التقاعدي الجيد، والخدمات المجانية الممنوحة له، تكفيه عن التسول والوقوف على أيواب الآخرين!
عودًا إلى هذه المرأة الشمالية المسنَّة، التي اضطرت إلى صعود الدرجات حبوًا، لأن الموظف رفض النزول إليها، وخدمتها في سيارتها، وحتى لو كانت التقنية، كأجهزة التصوير مثلاً، لا يمكن نقلها إلى الطابق الأرضي، فإن التقنية تستطيع الوصول إلى هذه المرأة في بيتها، وليس حتى في سيارتها، أليست خدمات الأحوال الشخصية يتم تقديمها في المنازل لكبار الشخصيات المهمة التي لا تملك الوقت للذهاب إلى مقر الأحوال؟ ماذا إذاً عن البسطاء الذين لا يملكون الصحة كي يذهبوا إلى مقر الأحوال؟ أليسوا أجدر بتقديم الخدمة لهم في المنازل؟
طبعًا لسنا بحاجة إلى ذهاب الخدمة لهم في منازلهم، رغم أحقيتهم بذلك، لكن على الأقل يجب تجهيز مقر الجهات الخدمية بكل ما يلزم ذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، من مصاعد، ومداخل للكراسي المتحركة، وغير ذلك، بدلاً من تعرضهم لمثل هذه المعاناة، والمشاهد المخجلة!