سلمان بن محمد العُمري
الأمن نعمة كبرى وضرورة قصوى، بدونه لا تستقيم حياة ولا يتحقق عمران ولا تبنى حضارة بل ولا تقوم عبادة، ومن الطبيعي أن يظلَّ مطلباً تسعى إلى تحقيقه كل المجتمعات البشرية، بل إن القرآن الكريم يخبرنا أن الأمن نعمة حتى في الآخرة يختص الله بها عباده الفائزين يومئذ برضاه، يقول الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}. وكل مجتمع اليوم يعلم أنه لا حياة دون أمن سواء أكان اجتماعياً أو صحياً أو غذائياً وقد يفقد أحدهما الآخر. أما الأمن الفكري فإن اختل فربما أثَّر على الأمن الاجتماعي والصحي والغذائي.
والأمن الفكري من المواضيع التي طرحت نفسها بقوة على الساحة الفكرية والثقافية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية على وجه الخصوص بعد المشكلات التي عرفتها بعض مجتمعاتنا والمتعلقة بالإرهاب والعنف السياسي هذا الموضوع الذي أشغل بال العالم الآن وسلطت عليه الدراسات والبحوث الأكاديمية والمتخصصة ودفعت في الموضوع إلى مراكز البحوث وكل ذلك لأن الأمن الفكري له تشعبات عديدة ومتشابكة لأن له علاقة بالأمن العام والشامل كما ذكرت آنفاً، ولأن القصور فيه وفي مفاهيمه ربما أودى بمشاكل تتعدى الحدود وتتجاوزها وليس في المجتمعات التي تعيش فيه وهو ما رأيناه حاصلاً.
وإذا كانت المجتمعات عموماً توحدت قبل عدة عقود في موضوع الأمن الفكري والعقائدي والثقافي واتخذوا من الأمن الفكري موضوعاً مركزياً في مجابهة الشيوعية وجندوا كل الإمكانات المتاحة والشرعية وغير الشرعية لمقاومة هذا الفكر. ولقد كان محور الأمن الفكري ومحاصرة الشيوعية والفكر الماركسي من أبرز محاور الحرب الباردة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بل وصل الحد بأمريكا رائدة الحداثة والحرية الفكرية كما تدّعي أن تمنع كل فكر يخرج عن إطار الثقافة الأمريكية الغربية بل وأطلقت شعارها «إن لم تكن معي فأنت ضدّي».
وجاءت العولمة وربطت بالأمن الفكري على المستوى العالمي وثم الربط من موضوع الأمن الفكري والعولمة من جهة والأمن الإنساني من جهة أخرى، وكانت حقيقة العولمة وأساسها الفكر والثقافة والقيم وتم تسخير وسائل العولمة (وسائل الإعلام والاتصال) ليتم بث ونشر قيم وأفكار وثقافة تدعي العالمية ليتم فرضها على بقية شعوب العالم. وقد صارت التدفقات الإعلامية العابرة للقارات عبر الفضائيات قوة هائلة بحيث أصبحت تشكل حاجات ورغبات وسلوك وعقليات ونظم وأنماط حياة المستقبلين مما أسهم في إضعاف الهويات الثقافية للأمم والشعوب والمجتمعات بل وزعزعتها سياسياً واقتصادياً وكان من نتاج هذه العولمة التي روج لها خاصة في المجال الثقافي والفكري أن تم فرض أفكار تعد أيديلوجية جديدة هدفها سلب ما تبقى من الجهاز المناعي الفكري لدى المجتمعات بوجه عام وتحطيم كل خصوصية دينية أو ثقافية أو اجتماعية.
لقد كانت المجتمعات الإسلامية للأسف سوقاً رائجة قديماً وحديثاً وكانت محطات استقبال مباشرة لكل فكر وافد وغريب. ولعلي أركز هنا على ما حدث في العقود الستة الأخيرة تحديداً فالشيوعية والأفكار الماركسية لقيت قبولاً واعتناقاً في المجتمعات العربية والإسلامية بل إن دولاً وليس أفراداً أو أحزاباً آمنت بذلك وجعلت مسار الدولة كله اشتراكياً ولم تتصدَّ له أو تحمِ عقول شبابها منه ومن أفكاره بل قامت بالتسويق له على الرغم من أفكاره ومبادئه التي تتنافى مع فكرنا الأصيل وقيمنا وثقافتنا العربية والإسلامية، وحينما سقطت الشيوعية في مهدها وتخلى عنها أصحابها بقي أتباعها في بلادنا العربية والإسلامية يتعمقون ويتشبثون بأطلالها وخرابها بل ويراهنون عليها حتى الآن.
ومع الثورة الإعلامية الهائلة وموجة العولمة والتغريب كان لهذه الموجة تأثير بالغ في مجتمعاتنا باسم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق وحقوق المرأة، وكلها بلاشك قيم نبيلة وحقوق مطلوبة ولكن يجب ألا تفرض علينا بمفاهيم غربية، ويجب أن تخضع لخصوصيتنا الدينية والثقافية، ولقد كان من نتاج نشر العولمة الغربية في المجتمعات الإسلامية وانتقال المعرفة وامتزاج الثقافات بطريقة غير متكافئة أن أصبح هناك مهدرات ومؤثرات على القيم الدينية في المجتمعات الإسلامية، وهذا أمر لم تشك منه المجتمعات الإسلامية فحسب بل حتى أوروبا كانت تشتكي من الغول الثقافي الأمريكي وأنه يلتهم كل شيء في الثقافة الأوروبية، وكانت الدول الناطقة بالفرنسية والأسبانية بل وحتى الإنجليزية رغبت في حمل لواء المقاومة ضد الثقافة الأمريكية.
وفي الآونة الأخيرة وكعادة مجتمعاتنا الإسلامية في تقبّل كل فكر وافد غريب وخصوصاً مع ثورة التقنية الحديثة ودخول الإنترنت وما تبع ذلك أصبح للتطرف والإرهاب مكان كارثي كبير في المجتمعات الإسلامية، ولا يعني ذلك أن مجتمعاتنا الإسلامية كانت خالية من الغلو والتطرف بشكل كبير، ولذا فإن مجتمعاتنا الإسلامية للأسف كانت ولا زالت أرضاً خصبة لاستقبال الأفكار !!
التحالف أمل الأمة وأمل العالم
لقد سعد العالم العربي والإسلامي الذي اكتوى بنار الإرهاب والتطرف والغلو بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالإعلان عن قيام التحالف العسكري الإسلامي الجديد وانضمام أكثر من أربعين دولة لمحاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وأكّد على أن التحالف سيعمل بشكل جماعي وليس منفرد ضد الإرهاب وأن كل الدول الإسلامية تحارب الإرهاب بشكل منفرد على الرغم أن المنظمات الإرهابية تعمل تحت قيادة واحدة لذلك يعد تنسيق الجهود في هذا الصدد مهماً جداً لمحاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأكد سموه - أيضاً - على أنه سيكون هناك تنسيق دولي مع جميع المنظمات الدولية ومع الدول المهمة في العالم لهذا العمل، ولقد كان هناك أهداف محددة لهذا المشروع منها الإعلامية والمالية والعسكرية، ومن أبرزها:
مالياً:
1 - قطع تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه.
2 - التخطيط والعمل على توفير الموارد الكافية لمحاربة الإرهاب.
3 - التواصل والتنسيق مع الجهات الدولية لملاحقة ممولي الإرهاب.
4 - تمويل المبادرات التي تحارب الفكر الإرهابي في مجالات التعليم والثقافة والاقتصاد.
إعلامياً:
1 - تحصين الشباب المسلم من خلال التنسيق بين دول التحالف لإطلاق المبادرات الفكرية والإعلامية.
2 - تطوير الآليات للتعامل الإعلامي مع الفكر الإرهابي المتطرف ودحره إعلامياً.
3 - وضع خطط عملية للتصدي للحسابات والمواقع الإلكترونية التابعة للإرهاب.
عسكرياً:
1 - العمل على التنسيق العسكري العملياتي لمواجهة الإرهاب.
2 - تدريب وتأهيل الوحدات الخاصة للدول الأعضاء المنخرطة في محاربة الإرهاب.
3 - ردع التنظيمات الإرهابية من خلال التنسيق العسكري لدول التحالف كقوة واحدة ضد الإرهاب.
وبلا شك أن أهداف التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب كانت شاملة ومبادرة تصيب الهدف في الصميم وتعالج مسألة الإرهاب من كل النواحي الدينية والاقتصادية والعسكرية وحتى عبر الوسائل وهي خطوة في الطريق الصحيح - بإذن الله - وهي مهمة نبيلة لأن هدفها حماية وجودنا واستمرارنا وحماية ديننا في هذا الكون الذي يشهد صراعات وأخطاراً تهدد الجميع، ومن لم يحسن التصرف معها أو يخطئ في تقديرها سيدفع الثمن غالياً، ودول التحالف أدركت المخاطر التي تحيط بنا ووعت ما يدور حولها وتريد بهذا التحالف أن تكون قوية وصارمة في حماية الفكر والثقافة مراعية في ذلك مصلحة المجتمع التي تسمو على كل المصالح الفردية والأنانية والذاتية، وهذا التحالف أمل كان الجميع ممن تهمهم مصالح الأمة وممن هم غيورون على دينهم وأوطانهم لما رأوه من المآسي التي عرفتها مجتمعاتنا بعد انتشار أفكار غريبة وشاذة نبعت من فهم خاطئ وقصر نظر وعدم إدراك.
وبلا شك فإن الجهود الجماعية لدول التحالف ستفوق الجهود الفردية ويجب أن تنطلق قوات التحالف من رؤية استراتيجية واضحة تخطط لمجتمعات آمنة فكرياً على المدى القريب والبعيد، ويجب الاستفادة من دور المفكرين والمثقفين وقبل ذلك العلماء والمربين والتأكيد على دور وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والمساجد ومؤسسات المجتمع المدني لأن أمننا الفكري هو مسؤولية الجميع ولأنه قضية تهمنا جميعاً.
وإذا كانت الدول تسعى لحماية أمنها من العدوان الخارجي بتكوين جيش قوي وتأهيله ودعمه بالإمكانات الفنية وإعداده وتحافظ على الأمن الداخلي بتكوين فرق وقوى الأمن الداخلي فإن الأمن الفكري أمر يتطلب أن تجيّش له جيوش من المفكرين والمثقفين والعلماء والمربين ورجال الأمن على حدٍّ سواء وأن يعد له ميزانيات تناسب حجمه وخطورته ومدى تأثيره لأن عالم الأفكار يحتل أهمية بالغة الخطورة لأنها مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تتحرك حتى تشكل قوة هائلة قد تجرف كل ما أمامها، ويجب أن تقدم العلاج من داخل مجتمعاتنا ولا تنتظر الحلول من الخارج وأن نعتمد على أنفسنا، وما لدينا من مقومات وأهم هذه المقومات ما في ديننا الحنيف من اعتدال ووسطية.
مؤسسات الأمن الفكري
ضرورة حتمية
إذا كانت الدول الإسلامية أدركت أهمية الأمن الفكري من خلال العمل الجماعي بقوى التحالف فإن الأمر - أيضاً - يتطلب أن يواكب ذلك تطويراً في تحقيق مفهوم الأمن الفكري والآليات التي سيتم العمل بها فلم يعد الأمر كما كان في السابق مجرد وحدات وأقسام ولجان في بعض المؤسسات تبحث وتناقش هذا الموضوع وقد تكاد تقصر بها الخطوات نتيجة ضعف الخبرات لدى من أوكل لهم الأمر، والمرحلة القادمة تتطلب وجود هيئات ومؤسسات مستقلة تعنى بالأمن الفكري ترسم الاستراتيجيات العامة وتشرف على عمل المؤسسات ذات العلاقة، ومهما كان الاختلاف على مفهوم الأمن الفكري داخلياً وخارجياً فإن الموضوع يحتل أهمية بالغة باعتباره يحقق أمن واستقرار المجتمعات وذلك من خلال التصدي للمؤثرات والانحرافات الفكرية. وقضية الأمن الفكري ليست وليدة اليوم بل هي قضية كانت دائمة حاضرة ولكنها برزت بشكل كبير في الآونة الأخيرة نتيجة عوامل داخلية وخارجية وخاصة بعد التطور الكبير الذي شهده العالم في مجال المعلومات والاتصال والذي ترتب عليه سهولة انتقال الثقافات والتأثر المتبادل فيما بينها وما نتج عن ذلك من غزو فكري وثقافي هدد بعض المجتمعات في أمنها واستقرارها وثقافتها.
إن قيام مؤسسة خاصة بالأمن الفكري أمر مهم لتوحيد الجهود ودراسة وتقويم دور المؤسسات المعنية في بناء الأمن الفكري، ولقد ابتلينا في مجتمعاتنا الإسلامية من طرفين من أهل الشطط والانحراف الفكري ففريق يريد الانسلاخ من الدين، وفريق آخر يفرط في فهم الدين ويدعو للغلو والتطرف وعدم الإنصاف والخروج عن جماعة المسلمين، وأفكار الفريقين تحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث الميدانية وإنشاء الهيئات والبرامج المتخصصة التي تهيئ الظروف المناسبة والجريئة لبناء الأمن الفكري في جو يرفض التهويل ولا يسمح بالتهوين، وقد أثبتت التجارب أن المعالجات والمسكنات التي قامت بها بعض المؤسسات منفردة لم تكن علاجاً ناجحاً كما أن كل مؤسسة ترمي بتقصيرها على المؤسسة الأخرى، ويجب عدم الاستهانة بالظاهرة ودفعها بطرق الدفع والتخلي، فالأمر يتطلب مسؤولية جماعية منظمة لحماية المجتمعات الإسلامية من الخروج عن منهج الوسطية إفراطاً أو تفريطاً والعمل على سلامة فكر الإنسان المسلم وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية والدنيوية والعمل على الحفاظ على سلامة الناس وعيشهم آمنين على حياتهم ومعتقداتهم وأموالهم وأعراضهم وتوفير الاستقرار والاطمئنان والتنمية، والعمل الإجرائي الوقائي قبل ذلك بالتحصين والتدابير الإجرائية للحماية وصيانة الفرد والمجتمع من الانحراف الفكري والسلوكي والمؤثرات الخارجية. وأن تقوم هذه المؤسسات ببحث كل ما من شأنه تهيئة مكونات البناء الفكري السليم بشكل يسهم في تحقيق الأمن الشامل للأفراد والأمم وأولى ذلك الحفاظ على العقيدة الإسلامية الصحيحة والتوحيد الخالص وتقديمها للشباب والناشئة بطرائق تربوية ناجحة وأساليب علمية حتى ترسخ في العقول والقلوب.
وأن ينطلق مشروع الأمن الفكري في بلدان العالم الإسلامي من ضوابط تتفق وخصوصياته ومنها:
ـ أن يكون منبثقاً من الشريعة الإسلامية.
ـ أن يتماشى مع مقاصد الشريعة وحكمها في تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
ـ أن يتم فيها تحقيق الوسطية والاعتدال.
ـ أن يكون التلقِّي من المصادر الصحيحة التي يستند إليها العلماء الربانيون.
ـ أن يحقق للأمة وحدتها وتلاحمها.
ـ أن يحافظ على ثقافة الأمة ومكوناتها وقيمها وأصالتها.
ـ ألا يتعارض مع هوية الأمة وتحقيق ذاتها وإبراز شخصيتها.
ـ أن يعمل على رفع مكانة الفرد والمجتمع.
ـ أن يكون طريقاً لتحقيق الأمن بمفهومه الشامل.
وإذا كنا نسعد بقيام مشروع دول التحالف وإنشاء هذا الكيان لمحاربة الإرهاب فإنه وبكل تأكيد لن يكون الحل عسكرياً بل سيعتمد على مقومات كبيرة وفي مقدمتها بناء الأمن الفكري تحصيناً ووقاية ومعالجة وعليه فإن المنتظر أن يكون هناك مشاريع وبرامج تتضمن:
ـ تأصيل العقيدة الإسلامية الصحيحة.
ـ توعية الشباب بفقه وأبعاد الأمن الفكري وتبصيرهم بشؤون دينهم.
ـ العمل على حماية الفرد والمجتمع من الغزو الفكري ومن التيارات الإلحادية وغير ذلك مما يبعده عن الجادة القويمة التي يستوجبها البعد الحضاري لفقه الأمن الفكري.
ـ الاعتزاز بالإسلام والافتخار بمبادئه السامية وتحسيسه بضرورة تكوينه الفكري والأمني.
ـ تعريف أفراد المجتمع بما يدور في مجتمعهم وبيان هدي الإسلام فيه.
ـ زرع الثقة الكاملة في نفوس الناس بمقومات أمتهم الإسلامية وتقاليد مجتمعهم.
ـ التفاعل الواعي مع التطورات الحضارية في ميادين العلوم والمشاركة فيها.
ـ تقوية الوازع الديني والعودة الصادقة للإسلام وتقوية الإيمان والالتزام بكتاب الله الكريم وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على فهم المنهج الصالح.
ـ تعميم ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر.
ـ تعميم ثقافة التسامح.
ـ نشر الوعي بمختلف الوسائل التي من شأنها إيقاظ الوعي والإحساس بالمسؤولية نحو تعزيز الأمن الفكري ليتحقق بذلك الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي.
ومن المنتظر من تجمع قوى التحالف حماية المجتمعات المسلمة من الأفكار الدخيلة على منهجنا الإسلامي الوسطي المعتدل، والقيام بالتدابير المشتركة لتجنب الأفراد والمجتمعات من الشوائب العقدية والفكرية التي تكون سبباً في انحراف السلوك والأفكار وحماية المجتمعات من الجريمة والعنف والتطرف بكافة أشكاله واتجاهاته، واعتماد منهج الوقاية قبل العلاج، وبيان أهمية التوازن والاعتدال في التصرفات الفردية والعلاقات بين أفراد المجتمع والعمل على وضع حلول عملية لمعالجة الأفكار المنحرفة والتيارات المخلة بالأمن الفكري، وهذا الكيان يعول عليه الشيء الكثير لأنه سيعمل داخل منظومة دولية متكاملة وهو مطلب حضاري وسياسي وأمني سيعمل على نشر الاعتدال والوسطية ومكافحة الغلو والانحراف الذي بات خطراً محدقاً بالمجتمعات، وهذا الكيان سيسعى إلى تشخيص الواقع والوضع الراهن والمستقبلي للأمن الفكري، وكيفية المواجهة والعلاج للأفكار المنحرفة إلى جانب تعزيز الأفكار المعتدلة المتوازنة السليمة التي تخدم مسيرة الأمن والسلام في المجتمع.
تجربة المملكة والاستفادة منها دولياً.
كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال رائدة في مواجهة الإرهاب والمفسدين لأنها تعمل على كفِّ أذى هؤلاء لأنفسهم ولمجتمعاتهم إلى جانب واجبها في الدفاع عن صورة ديننا وسماحة شريعتنا التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين رحمة للعالمين، وردع كل من يعتدي ويبغي ويعمل على تشويه صورة الإسلام عن جهل أو عمد.
ولقد قامت بلادنا المملكة العربية السعودية بجهود محلية وإقليمية ودولية لتحقيق الأمن الفكري جعل منها رائدة في هذا المجال، وأنموذجاً يحتذى ومثالاً يقتدى فقد استضافت مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وجدة مؤتمرات دولية ومؤتمرات إسلامية، وكلها تصب في السعي لتحقيق الأمن الفكري، وعالجت هذه المؤتمرات الموضوعات ذات العلاقة من جميع الجوانب الدينية والتربوية والإعلامية والأمنية، وإلى جانب المؤتمرات كانت هناك جهود كبيرة لهيئة كبار العلماء وهي أكبر مرجعية دينية في البلاد. وقد قامت بجهود حثيثة في التحذير من الغلو والتطرف والأعمال الإجرامية التي تقوم بها الفئة الضالة وقد بيّنت بالفتاوى والبيانات والدروس التي يقوم بها أعضاء هيئة كبار العلماء ببيان ضلالات هؤلاء وقام المشايخ بدورهم الشرعي الذي أولوا إياه وحذروا الناس من الأعمال المنافية للإسلام والتي تزعزع الأمن وتخيف السبيل وتزهق الأرواح وتشوّه جمال الإسلام.
ولقد أكدت المملكة العربية السعودية مع جهودها الكبيرة العلمية والعملية لمواجهة هذا الداء أن الإرهاب ليس وليد اليوم فقد عانت منه المجتمعات منذ القدم إلا أن إرهاب اليوم أصبح جريمة منظمة لها طابعها الخاص من حيث التنظيم والتمويل، ولذا فإنها أكدت على أهمية تعاون المجتمع الدولي على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية وذلك لمواجهة دوافع الإرهاب ونتائجه، والعمل على تجفيف منابعه، وما عقد المؤتمرات الدولية ورعايتها داخل المملكة وخارجها إلا إدراكاً منها بخطورة الإرهاب ووجوب مواجهته ذلك أن الإرهاب أمسى ظاهرة عالمية لا ترتبط بدين أو مجتمع أو ثقافة. والمملكة هي من بين الدول التي استهدفها الإرهاب وعانى مجتمعها من تبعاته. ولهذا كانت في مقدمة الدول التي حاربت الإرهاب بدافع من عقيدتها السمحة وقيمها العربية الأصيلة. والإرهاب كما هو معلوم ليس فعلاً إجرامياً فحسب بل هو نتاج فكر منحرف كان من الواجب التصدي له، ولذا فإن قوات التحالف لديها فرصة عظيمة للاستفادة من خبرات المملكة وتجاربها في هذا المجال، وواجب جميع قوات التحالف ومؤسساته التصدي لهذا الداء الذي يضر بالأمة الإسلامية قبل غيرها وبقدر ما يقع على المؤسسات الأمنية من التزامات فإن على المؤسسات الفكرية (علمية، وإعلامية، وتربوية) مسؤولية كبيرة في بناء المفاهيم الصحيحة والقيم الإنسانية السليمة وتحصين المجتمعات ضد الأفكار المنحرفة والأفعال الإجرامية. وقد أدركت المملكة أهمية ذلك تمام الإدراك وعملت على تفعيله حيث كانت هناك جهود من جميع الجهات ذات العلاقة، ونأمل أن تتضافر الجهود في كل مكان من هذا العالم لتحمل مسؤولية مواجهة ظاهرة الإرهاب ومحاربتها ليعيش الإنسان حياة آمنة كريمة فالأمن ركيزة من ركائز المجتمع الهامة التي يستمد منها المجتمع استقراره وتقدمه وهو المحور الأساسي في التنمية الشاملة والاستقرار لأي مجتمع حيث إنه المناخ المناسب للنمو والتقدم، وقد أكدت المملكة - أيضاً - في جميع المحافل أن أي جهد لمكافحة الإرهاب سيكون قاصراً عن التصدي الفعال إذا افتقد العمل الجماعي والمنظور الاستراتيجي الشامل في التعامل معه. ولذا فقد تبنت المملكة العربية السعودية من قبل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وشكلت فريق عمل لبلورة هذا المقترح، وأيدت ذلك الأمم المتحدة ورئي أن تكون نيويورك مقرًّا له، كما أكدت هذه البلاد على أن الإرهاب يمثل تهديداً مستمراً للسلاوالأمن والاستقرار وأنه لا يوجد مبرر ومساع لأفعال الإرهابيين فهو مدان دائماً مهما كانت الظروف والدوافع المزعومة. ودعت دائماً إلى أهمية ترسيخ قيم التفاهم والتسامح والحوار والتعارف بين الشعوب والتقارب بين الثقافات ورفض منطق صراع الحضارات، وشددت على أن الإرهاب لا دين ولا جنسية أو منطقة جغرافية له وأنه لا يجوز ربط الإرهاب بأي دين، ودعت إلى تهيئة جو من التفاهم والتعاون المشترك سواء الثنائي بين الدول أو الجماعي وتبادل الخبرات والتجارب بما في ذلك التدريب بضمان الفعالية في محاربة الإرهابيين وصلاتهم بالجريمة المنظمة، وكل ما سبق يؤكد أن المملكة العربية السعودية هي الأنموذج الأمثل الذي يستفيد منه الجميع في مجال الأمن الفكري وفي نشر الوسطية والاعتدال ومواجهة الغلو والتطرف والإرهاب.