هاني سالم مسهور
خرج رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون من أضيق الأبواب السياسية البريطانية، خرج بعد أن تسبب في إخراج كامل بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد ثلاثة وأربعين عاماً كانت فيه لندن واحدة من أكثر العواصم الأوروبية قدرة على التأثير المباشر في أدق تفاصيل أوروبا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، خروج كاميرون هو بالتأكيد الارتداد الأول لزلزال الاستفتاء، ولن يكون الأخير، فهناك ارتدادات ستأتي فبريطانيا ستعيش فترة طويلة من الصراع السياسي التقليدي بين ثعالب تبحث عن فرصتها لاقتحام ( 10 داوننغ سترتيت ) العريق.
يمتاز الساسة البريطانيون عن غيرهم بقدرتهم على إخضاع أعصابهم لدرجة عالية من البرودة قد تصل إلى حالة الجمود أحياناً، الصرامة من أساليب البريطانيين وكذلك الصبر والنفس الطويل، فحتى المنافسة التقليدية بين حزب المحافظين والعمال يمكنها أن تؤثر في تفاصيل دقيقة خارج المملكة المتحدة، وما حدث في الاستفتاء البريطاني يكاد يكون دليلاً صريحاً حول مدى تأثير هذه المنافسة، فمعركة حزب المحافظين ( الحاكم ) تفجرت بين التيار اليميني المتشدد المعادي للهجرة وبين التيار الذي يتزعمه ديفيد كاميرون المؤيد لبقاء بريطانيا في إطار الاتحاد الأوروبي ، هذه المنافسة داخل الحزب دفعت كاميرون ليبتدع فكرة الاستفتاء في محاولة إضعاف قدرة اليمين المحافظ داخل الحزب، وهو ما جعل كاميرون يكسب الانتخابات العامة لكن كانت معطيات أخرى أخطأ في تقديرها منها تزايد أزمة اللاجئين في 2016م، كما أنه لم يضع في اعتباراته مدى ما بلغ بكثير من البريطانيين من ضيق وغضب بسبب تدفق اللاجئين الذين أسهموا في ضعف الأداء الاقتصادي.
عمدة لندن السابق بوريس جونسون كان أكثر الشخصيات التي برزت في معركة الاستفتاء، وكان ومازال مجتهداً في الحصول على منصب زعيم حزب المحافظين لولا أن وزير العدل مايكل غوف أعلن ترشحه مما فوت على جونسون فرصة الزعامة للحزب الذي تلقى ضربة عنيفة على إثر نتائج الاستفتاء، كذلك فقد غوف فرصته بعد أن أشاح ديفيد كاميرون بوجهه عن كل الثعالب الذكورية في حزب المحافظين ورشح وزيرة الداخلية ( تيريزا ماي ) لتصبح ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة البريطانية بعد مارغيت تاتشر.
كذلك حال حزب العمال الذي هو المعارض المترنح على أثر الانتقادات الواسعة بعد أدائه خلال الاستفتاء، وتتحفز وزيرة الأعمال السابقة انجيلا إيغيل للترشح لزعامة الحزب، كل هذا يحدث في بريطانيا التي تخشى من التحرك العملي من الأسكتلنديين تجاه الانفصال عن المملكة المتحدة، هذه الصراعات بمجملها قد تلقي مزيداً من الضغط على خامس أقوى اقتصاديات العالم، وهذه المنافسة قد تجعل من بريطانيا تتراجع في عدد من مناطق النفوذ الدولية، وإن كان الرهان الحقيقي سيبقى حول مدى قدرة البريطانيين على نسج علاقتهم بالاتحاد الأوروبي ثم التنافس على دخول 10 داوننغ ستريت.