د.عبدالعزيز الجار الله
الأيام العصيبة التي كانت تعيشها قرى وواحات الجزيرة العربية قبل أكثر من قرن من الزمن وقبل أن تعرف بلادنا الاستقرار والأمان، حين كانت ثقافة الغزو والنهب سائدة بل هي الحياة لكثير من شعب الأرض التي لم تعرف دولا و حكومات، كان وسط الجزيرة ويقصد بجزيرة العرب : السعودية واليمن ودول الخليج وجنوب العراق وأطراف بادية الشام الجنوبية. كانت الواحات في الشريط الأوسط :الجوف سكاكا ودومة الجندل، العلا وتيماء، المدينة المنورة، واحات حائل، واحات وقرى القصيم الزراعية ، قرى سدير، الرياض، المحمل وثادق وحريملاء، الوشم، واحة الخرج، الحوطة ووادي الدواسر وبيشة، واحات الشرقية الأحساء والقطيف وقرى شاطئ الخليج العربي. جميع هذه الواحات والقرى والأرياف كانت تعيش أبشع أنواع الحصار والابتزاز السنوي وتبقى محاصرة لأشهر من منتصف نجم الثريا بداية شهر يونية السادس بالأشهر الميلادية من كل عام، حتى نهاية نجم سهيل وبداية الوسم في (15) أكتوبر.
هي فترة حصار تمتد من يونية وحتى منتصف أكتوبر، حصار يطوق الواحات والقرى الزراعية تطوقه قوى خارجية إما بالإجبار تحت تهديد السلاح أو التراضي والطواعية أو بالجباية تنفذه جماعات المدن القوية والمسلحة، أو جماعات البادية، والجيوش شبه النظامية، والجيوش المعتدية، والغزاة واللصوص وقطاع الطريق، لنهب محصول التمور السنوي الذي تنتجه الواحات والقرى الزراعية، وبعد الحصار الخانق والتهديد بالهجوم والاقتحام والتعريض لاستباحة القرية وأخذ الأسرى والسبايا يتم الاتفاق على اقتسام المنتوج الزراعي من التمر مرت مصادرة جميع منتوج النخيل.
أما لماذا الحصار في هذا الوقت من السنة فلأنه موعد (جداد) التمر أي جنى وحصاد منتوج النخيل، ولكونه الأمن الغذائي والقوة الاقتصادية لمناطق الصحراء الداخلية التي لا تجاورها بحار ولا محيطات تتغذى عليها أو تأتيها البواخر والسفن بالبضائع، ولكون التمر قيمة غذائية تخزن وتؤكل حتى نهاية الربيع القادم موعد موسمه الجديد.
حصار التمر صورة مؤلمة لمن يزرع ويغرس ويسقي طوال العام ليأتوا الغرباء وفي حالات الأصدقاء ليسطوا بالسلاح والاغتصاب ومصادرة كل مخزون القرية ويجعلونها عرضة للفقر والعوز والجوع والتشرد .
هذه الصورة عمرها حوالي (100) سنة عاشت عليها الجزيرة العربية لسنوات، القرى الانتاجية تغرس وتزرع والغزاة يخطفونه بقوة السلاح، فنتعلم من هذا المشهد الجائر أن الأمن لا يعوض وأن التفريط بالوطنية والانتماء لجسد الدولة هو جرنا إلى مسار غامض ونهايات مظلمة، الوطن الآمن لا يعادله بعد الله حب أي حب، وحب الوطن والوقوف أمام مسؤوليتنا هو المسار الصحيح الذي يجعلنا نطمئن على مستقبل الأجيال.