د. خيرية السقاف
تضخ ميزانيات ضخمة للتعليم, تفوق المليارات, ومؤسسة التعليم تستحق, ولا ينهض مجتمع أو يحقق أهدافه دون أن تكون مهارة مؤسسات التعليم فيه من قمتها لسفح ميدان تنفيذ أهدافها وتطبيقها على درجة من الكفاءة المتطورة, المتنامية, مواكبة حركة ساعة ما يستجد في مجال الخبرات التعليمية والعلمية المعرفية والتقنية, والتنفيذية والإدارية والفكرية, بحيث تكون ميداناً وبوتقة لتنمية الشخصية الذاتية للدارسين بنوعيهم, وإبراز مهاراتهم, وتمكين قدراتهم, وصناعة الفرد الماهر فيهم القادر على مواجهة الواقع بقوة وفهم ووعي واستيعاب وحنكة ومعرفة وإقدام وثقة وقدرة على التعبير عن الذات والحوار مع المختلف, مواكباً لما يستجد, مؤسَّساً على بناء مكين واسع الخبرة. بما يهيئ هذه المؤسسة بمختلف تدرج هرمها ليس لتحصيله حصادَ معلومات يتلقّاها كيفما يكون, بل لثمار توظيفها في مساره الحياتي كما ينبغي لجيل العصر بكل تحدياته ,وتدفقاته يكون للدارس المسؤولية الأساس فيما يكتسب..
إنّ النص الذي ورد بخبر عن مشروع وزارة التعليم لتطوير «أنموذج جديد في المناهج « بحيث تكون مواكبة لمستجدات العصر, تؤهل قدرات الطالب ليعلِّم نفسه وفق متاحات التقنية الحديثة التي تساعد الفرد على الاعتماد الذاتي للاكتساب , والتعلُّم , فيه ما ينم عن مشروع استشرافي يتطلع إليه كل من يقر بضرورة أن تواكب مؤسسة التعلم مستجدات العصر, وتعطي الدور للفرد منذ نشأته. وتقنن مسؤولية المعلم في التوجيه, والإرشاد بما لا يتعارض مع قيمية التعليم, ومخرجاته.
ولهذا الهدف رصدت للمشروع ميزانية عالية السقف تقدَّر بأكثر من مليار ريال نصَّ الخبر..
ما يدعوني لأن أكرر السؤال الذي أوردته لأكثر من مرة هنا في شجون مع مؤسسة التعليم هو: هل سيؤخذ في المشروع برأي ممارسات وممارسي المهنة التعليمية من معلمات ومعلمين, ومشرفات تربويات ومشرفين, وإدارات قامت على المواكبة الميدانية اليومية, وتعي بلا شك هذه الخبرات احتياجات المهنة ميداناً, ومحتوى, ووسيلة, وطريقة تنفيذ, وتدرك مشكلاتها, وتلم باحتياجاتها الفعلية, وتدرك جوانب القصور فيها, وتعي سبل التطوير, وتستطيع تقديم الرأي, ويعوَّل على خبراتها عند طرح أي مشروع يمس هذه الخبرات, ويحتاج إلى مهاراتها, وتجاربها, ومدركاتها,..؟
أو سوف تعود الكرة مثل جميع المشاريع السابقة إلى خبراء من الخارج, ومعهم أساتذة الجامعات المنظِّرين, البعيدين عن واقع المدارس, واحتياجاتها التفصيلية لتطوير يؤسس بشمول لا يتجاوز شوارد المهنة وواردها, التي تدركها خبرات من هم في الميدان.., ويقتصر على القلة منهم؟!
ذلك لأنّ حصيلة ممارسي المهنة في جوانبها المختلفة في الميدان, المحتكين جميعهم بواقع مؤسسة التعليم, ونواقص المناهج, ومدى ونوع العجز الذي يواجه الدارسين الذين لم يواكبوا مستجدات عصرهم, ذات اعتبار, فهل سيؤخذ بعين الاعتبار أدوارهم الفاعلة, وخبراتهم المكتسبة, وتجربتهم الحية, ومعرفتهم الدقيقة من خلال مهنيّتهم وتميُّزهم , فهؤلاء الخبرة الكنز, المحرك الرئيس للتطوير, والتحديث, ولا ينبغي أن يصرف عنهم النظر عند قيام أي مشروع تربوي تعليمي, وإن كانوا مغمورين منهمكين في دولاب العمل اليومي, بعيدين عن الأنظار, ففيهم من الخبرات, والكفاءات ما لا يملكها كثير من أكاديمي الجامعة, تحديداً عن تفاصيل الميدان, وثغراته, بل ما يحتاج إليه ليسد, ويسدد , ويطوَّر بمعرفة الممارسة والتنفيذ, فهذه الخبرات بلا شك ذات اعتبار لا تهمل, ولا يتجاوزها الفعل, وتحتاج إليها الإرادة, وغايات التطوير..
وجميل, بل مجد كل الجدوى إن تم إشراكهم مع من سيشاركون في المشروع سواء من أكاديمي الجامعات, أو الفنيين التقنيين من خارجها, أو الاستشاريين الذين غالباً ما يكونون من خارج الوطن..؟!
مع أنّ الوطن ثريٌّ بخبرائه «المميّزين» من الجنسين الذين أفنوا أعمارهم في التعليم, وبلغوا في الخبرات شأوا, ولهم حق الاستشارة عند الاختيار للفريق المنفذ للمشروع من المختصين الفنيين, والتقنيين.
فعلى الاختيار تعول النتائج.
ثمة أمر آخر تستطرد به مناسبة القول هو أنّ التوجه لاستقطاب خبرات غير وطنية دائماً ما يفرض على المشاريع - في شتى قطاعات المجتمع ومؤسساته - تكلفة مادية تستقطع من لحمة ميزانية المشاريع, وهي غالباً عالية جداً لا يكاد الوطني ينال مثلها مهما ارتفعت سُقف خبراته, وهو أمر يحتاج إلى أن ينظر إليه بعناية, وحرص عند البدء في تنفيذ التخطيط لمشروع تطوير نموذج في المناهج الدراسية الجديد في مؤسسة التعليم, بل في جميع مشاريع الوزارة التي رصدت لها ميزانية تتجاوز 24 ملياراً من الريالات. وأحسب أنّ هذا لن يغيب عن د. العيسى إن شاء الله.
ذلك لأنّ إغفال كفاءة المواطنة من ذوي وذوات الخبرات الأكاديمية, والمهنية البارزة ينبغي التنبُّه إلى نتائجه المحبطة لهم, وهم المختصون المهنيون نساءً ورجالاً, المضلعون بمهام التعليم, والإشراف المهني عليه , ذلك لأنه قد حدث ذلك, ويحدث في مشاريع سابقة سواء كانت رسمية, أو أهلية, في مجال التعليم, وسواه ..
إنّ ما نتطلع إليه في هذا المشروع «الضخم» هو شمولية الخبرات, بتنوُّع المشاركات, والمشاركين في المشروع عند الاختيار بحيث لا تتكرر الأسماء فلا تتجدد الخبرات, وبحيث لا يُغفل مجتهد لديه ما يفيد.
ولا يخفى أنّ الخبرة حين تختار لاعتبار الممارسة الفعلية, ومعيار التميُّز الأدائي, والفكري, والمهني, والتخصصي ستكون نتائجها أجدى, وأنسب, وأنجع. جوار ما يستجد من توجُّهات نحو خبرات مختلفة لدى مختصين آخرين, يكونون عناصر فاعلة في تطوير المناهج وفق الرؤية المستجدة, دون إغفال للبنية الأساس. مع أنّ هناك في شأن تطوير التعليم من القضايا الكثير, وأهمها التركيز على تطوير كفاءة المعرفة, والفكر, سواء فيمن يمارس وضع محتوى المناهج أو فيمن يقوم بتنفيذها, وسنأتي عليه في مقالات آتية.
نشارك هنا برأي, ونتمنى ألاّ يذهب أدراج الرياح مثل كل مرة كان حديثنا فيها مع مؤسسة التعليم , ولم نلحظ أي تفاعل , مع أننا نتوقع وصولنا إليها..!!
نتمنى للدكتور العيسى الأكاديمي ذي الخبرة أن يوفق الله طموحه, ومساعيه, ويهيئ له بطانة صالحة, لتحقق المؤسسة التي يرعاها النتائج المرسومة بمشاريعها المتطلعة,
فقضية التعليم مجهدة للتفكير, محور القلق الدائم, ولها تُستشرف كل الآمال والتوقعات - تحديداً - الرغبة في مواكبتها أهدافاً تُوضع, وجهوداً تُبذل, وميزانيات تُقتطع لتحقيق أعلى الكفايات الحلم في مدار معارفها وأفكارها وأدائها, تلك التي لم تتحقق حتى الآن كما نحلم تماماً.