إبراهيم عبدالله العمار
من المشاهد التي أتعجب منها والتي ستحدث يوم القيامة هو إدراك المذنب لذنبه عند الحساب. لأول وهلة قد تظن أنه لن يقدر على تذكر أي شيء بسبب هول الموقف، ذاك الموقف الذي لم ير البشر شيئاً مثله أبداً ولن يتكرر.
طبعاً رب العباد لا يحتاج أن يعترف الشخص بذنبه، فهو يعلم كل شيء سواءً ظهر أم خفي، لكن من عدله أنه في هذه المحاكمة العلنية لا يرسل المذنب للعقاب ولا المحسن للنعيم إلا بعد أن يروا أعمالهم، فأما المحسن فيفرح وهو يرى أعماله الطيبة تشع ضياءً أمام العالم، وأما المسيء فيسودّ وجهه وهو يرى المخازي تنشر أمام البشر ويقرُّ بها.. وهذه هي النقطة الهامة: الإقرار. كيف يقر؟ كيف يعرف أنه فعل كل هذا؟ الإنسان ينسى، وتمر بنا أحياناً أحداث عمرها أسابيع وأحياناً أيام فننساها.
لكن كيف للكافر يوم القيامة أن يتذكر؟ إنه لا يُذكَّر فقط بآخر وأكبر أعماله قبل فراق الدنيا بل كل شيء فعله بلا استثناء، حتى أشياء دقيقة مثل اختلاس نظرة حرام أو سرقة قرش أو كلمة جارحة، فهل يستطيع أن يتذكر كل هذا؟ إذا قيل له: «يوم كذا وكذا كذبت متعمداً بلا سبب»، وهو يوم حصل قبل وفاته بخمسين سنة، هل سيتذكر؟ الشيء المدهش أنه سيتذكر. وربما جزء من السبب هو أن العقل البشري لديه القدرة أن يخزن كماً هائلاً من المعلومات. مثلاً، الموسوعة العربية العالمية تتكون من 16 ألف صورة وإيضاح و 2500 خريطة و 1000 جدول موزعة على 17 ألف صفحة في 30 مجلد. يستطيع مخك تخزينها وسيبقى فيه مساحة كافية لتخزين عدة أضعاف هذه الموسوعة تصل إلى 7 أو 10 أضعاف.
لكن المشكلة ليست في التخزين بل الاسترجاع، فهذا العائق الذي يمنعنا أن نتحول لحواسب بشرية، فالاسترجاع فيه صعوبة ولا تنسِّق هذه العملية جيداً مع التخزين، لذلك ننسى وننسى .. إلى أن يأتي ذاك اليوم الذي لا عوائق فيه لعملية الاسترجاع والتذكُّر، والمخ المذهل نرى قدرته الحقيقية لما نرى الناس يتذكرون كل شيء .. حتى التعساء الذين يقولون: يا ويلتنا! ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؟!
إنه العقل الذي يسجل كل شيء، وهو نفسه الذي أهمله هذا البائس، ليس هذا فحسب بل استخدمه في الشر، فكان وبالاً عليه.
العقل آلة تسجيل جبارة. احرص إذا أتى يوم يبوح بمكنونه أن ترى فيه ما يسرّك.