يوسف المحيميد
لا يخفى على القارئ، أن أكثر ما ينقل الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة، هو تطوير تعليمها، وأنظمتها الحقوقية، والاستعانة بالخيرات الأجنبية في مجال الاستشارات العامة، ولكن يعتمد ذلك على الجدية في استثمار هذه المشروعات التطويرية، والشفافية في الكشف عن نتائجها، فلا أحد يعرف ما الذي تحقق من مشروع تطوير التعليم العام خلال السنوات الخمس الماضية؟ ما هي المخرجات الملموسة من مليارات الريالات المدفوعة على مشروع تطوير التعليم العام؟ ثم أليس مشروعًا؟ أليست المشروعات لها مدة زمنية محددة، تنجز ما هو مطلوب منها ثم تتوقف، بعدما يتم استثمار نتائج هذا التطوير؟
أما الجانب الآخر الذي تدفع عليه الجهات الحكومية المليار تلو المليار، فهو الاستشارات في مختلف المجالات، ومن جهات لا تعرف واقع مجتمعنا، ولا ظروف بيئتنا، ولا العوائق التي نعاني منها منذ عشرات السنوات، لذلك فهي جهات أجنبية خارجية، لا تستعين بخبرات وطنية، في المجالات المطلوب الاستشارة فيها، كي يتفهم بعض مستشاريها الأجانب ملامح هذا المجتمع، والمشكلات التاريخية المستعصية، إضافة إلى اكتساب الخبير السعودي خبرة جديدة من مستشار أجنبي، بمعنى أن الخبرات المتبادلة بين الطرفين ستكون ذات أثر واضح على الاستشارات المقدمة للجهات الحكومية، وعلى مستقبل هذه الجهات.
فما معنى أن تُدفع المليارات إلى مجموعات استشارية مثل ماكنزي، ومجموعة بوسطن كونسلتنج، من جهات حكومية مختلفة، لتحصل على استشارات معظمها غير قابلة للتطبيق، مجرد تقارير مكتوبة بأرقام ومعدلات ولغة حالمة، فلا يتم تنفيذها، ولا يستفاد من معظم توصياتها!
ماذا لو اشترطت هذه الجهات توظيف عدد من مستشاريها السعوديين ضمن عقود الاستشارات مع هذه الجهات الأجنبية، وذلك لتحقق هدفين، أولهما تقديم معلومات واضحة ومحددة عن أهم المشكلات التي تعاني منها الجهة مقدمة الخدمة، وثانيهما استفادة المستشار السعودي من طريقة أداء المستشارين الأجانب في دراسة المشكلة ووضع الحلول، بدلا من هدر المليارات في دراسات واستشارات غير مفيدة!
وربما الأكثر قلقًا، أن يأتي هدر هذه المليارات من الريالات، في وقت يتم فيه التقشف المالي في كثير من أوجه العمل الحكومي، وشبه الحكومي، والقطاع الخاص، على رأسها تعثر التوظيف، رغم الأمل المعقود على دور هيئة توليد الوطائف، وكذلك الوضع الاقتصادي المستقر.
تلويحة للقارئ العزيز: هذا المقال الأخير قبل إجازتي السنوية، أتمنى أن نلتقي بعد الإجازة على خير ومحبة.