رمضان جريدي العنزي
نقرأ في القران المجيد «إن أكرمكم عند الله أتقاكم « وفي الحديث الشريف» إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» الصحابي بلال الحبشي رضي الله عنه زوجوه الصحابية هالة بنت عوف أخت الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف وهو من سادة قريش، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نفسه تزوج أمرأة مولاه زيد بن حارثة بعد أن طلقها، أدلة ووقائع شرعية بائنة وواضحة كالشمس، ليس بها لبس أو أدنى شائبة، نتناولها في محاضراتنا ومجالسنا ومنتدياتنا وحواراتنا وندرسها لأطفالنا في المدارس، وشبابنا في الجامعات، كتنظير كلامي فقط، مثل بائع الوهم، وممارس التخيل والنرجسية، بعيداً عن الفعل الحقيقي وممارسته على أرض الواقع، بفعل الأفكار المعلبة التي ترسخت في أذهاننا والتي نامت وشاخت، بفضل الشحن اليومي، وعوامل التوريث والتلقين والتوصية، حتى صار ذلك ما يشبه الحقيقة والواقع المعاش الذي لا مفر منه، وغير القابل للنقاش والحوار، كان الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام يستنكرون على أقوامهم عبادات مخالفة للفطرة، وعادات بائدة، وممارسات خاطئة، وأساليب شائنة، وتصنيفات مريبة، وكان ردهم الوحيد « إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون «، إنها التبعية الفجة التي يمارسها البعض في بعض جوانب حياتنا الاجتماعية، عن سبق وقصد وعنوة والتي لا يقرها دين، ولا فطرة، ولا عقل، ولا منطق، فبعض الأعراف والعادات والتقاليد البائدة الجامدة، تمارس وفق قناعات غير مقبولة، ولا مهضومة، ولا يجب أن تكون، بل هي فلسفات تسويغية لا دليل لها ولا برهان شرعي وليس لها ناصية للحقيقة، المنظرون والمؤطرون والمؤصلون لها وحدهم وضعوها كنص ملزم لا يمكن تركة أو نفضة أو التخلص منه، هؤلاء الجامدون يشعرون بأمتلاكهم للحقيقة الكلية مع أنها زائفة وغير حقيقية ولا صحة لها، حتى إذا ما تجرأ أحداَ محاولاَ الخروج من هذه الدائرة السميكة، ومن هذا النص البائد، يوسم بأقذع التهم والصفات والألقاب، لأن حركة الفهم والفكر والعقل والعلم عندهم لا تنشط البتة إلا لمثل هذه الأشياء الصغيرة الزائفة، أن منهج هؤلاء هو عدم استيعابهم للمنهج الشرعي والعقلاني وإثبات الذات، بل يتبعون منهج الأبائية والماضوية، وإن كان ذا ألوان رمادية مقززة، أن المنطق المحدود والمؤطر لا يتيح للعقل حرية التفكير والاستيعاب، بل يؤسس لفكر مزدوج به خلل وعوج وإنكسار، أن الفلسفات التسيغية التي تمارس وفق إشكال مختلفة، تضع الناس على أساس سمات ما أنزل الله بها من سلطان بين، وفق مفاهيم خاطئة وشاذة، أن بعض الأفكار والأطروحات، توضع وفق عملية التضاد والهيمنة، مبنية على دلالات وركائز وفلسفة ورواسب زمنية، أسها الجور، ولها فصول مليئة بالقصص التي تظهر مدى الظلم والظلام، وإدعاء التفوق والعلو الباهت الواهم واللامنطقي، أن المؤطرين لهذه الأفكار البائسة وفق خطاباتهم الإنشائية وأناشيدهم ورواياتهم وحبكهم القصصي، يزعمون بذلك ويؤمنون، رغم علمهم الداخلي بأنها مجرد تسويغات غير عادلة ولا مقبولة ومجافية للواقع، والغريب أن هؤلاء المؤطرون لهذه الأفكار المعلبة لم يقدموا للواقع الحياتي شيئاً يجعلهم يتصدرون المواقع، أو يبلغون مبلغ الإبداع، سوى الحبك القصصي المبتور، والغلو الكلامي المنافي للمنطق، نتيجة شعورهم بالإنكسار النفسي والروحي، أن تفسخ المفاهيم، وإنهيار القيم، وعدم تفعيل العقل، وتوسيع دائرة الفهم، وتأجير العقل للآخرين، أدى إلى طفح زائد لنغمات النشاز، أن مما يثير العجب والقلق بأن هذه السلوكيات والأعمال والتنظيرات والأطروحات باتت تصدر من البعض بشكل فج، ولكي نطبق فعلاً عملاً وقولاً تعاليم ديننا الذي قدم التضحيات من أجل التقدم والعدل والمساواة والحب والألفة والجمال والإنسان.
علينا أن نوحد جميعنا نضالنا الأبيض ضد التجهيل المقيت، والتلقين المميت، لكي نحيا حياة إنسانية عادلة سوية كما أرادها الله عز وجل لنا، وكما أرادها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لا كما أرادها أدعياء الآبائية والتصنيف والتفرقة، إن الدين الإسلامي يغلق كل مداخيل التجهيل الرمادية، والأفكار الدخيلة الزائفة، بل إنه يجعل من هذه الأشياء فارغة من أصلها ومضامينها، إن وجود حملات وطنية تنويرية توضيحية يغلب عليها سلطان الدين والعقل والمنطق والدليل، بعيداً عن عاطفة المجاملة والفعل والمقال، أصبحت حالة مطلوبة، إنه كلما خمدت حركة التنوير والإيضاح وتراخت، زحفت الأفكار الزائفة، والعادات البائدة، لتحل بين الناس وتسير حياتهم.
لقد ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - «أن من الناس من لو جلدته حتى يصلي ما فعل، ولو جلدته حتى يفطر رمضان ما فعل! « مع أن أهمية الصلاة أعظم من صوم رمضان وكلاهما عظيم، إننا إذا لم نتمكن من نبذ الأفكار والعادات غير الصحيحة واللا قويمة والتي لا تليق بنا، فسنعرِّض أنفسنا إلى تيه وانحباس، وحتى نتجنب هذا التيه والانحباس، علينا البدء الفوري في تغيير أفكارنا المعلبة التي جاءتنا من القرون الجاهلة المتأخرة واستبدالها بأفكار من واقع الرسالة المحمدية الوضاءة، وعلى الله قصد السبيل.