د. خيرية السقاف
هذا الذي يتنفس الصبح عليه وقد شمر عن ساعديه يلملم قوت يومه فتاتاً تبقى في حوزته،
أو أبقاه اتقاء عوزه..
يردد مع العصفور: «آدي الصباح فتَّح يا عليم، والجيب ما فيه ولا مليم» ..
هذا الذي ينفض خباياه كلما عنت له حاجة فلا يجد إلا الخواء..
هذا الذي قطرات شحيحة ترويه، وكلمات عابرة تفرحه، وأسمال مهترئة تغطيه
تحته ثرى بالكاد تزيّنه قطع تتنافر، وأبواب تغلق عليه بالكاد تخبيء داخلها ذا بال..
هذا الفقير من زينة الدنيا، المعدم من نعيمها، ذو الخصاصة يهش في وجهك المقطب، ووجهه كالح من العدم، يكتم جوعه، وتضور أحشائه، ووجهك يطفح بالشبع، ينظف ثوبه المهترئ، وثوبك مرفّهٌ بخامته، يتعطّر بأنفاس إيثاره، وصبره، وجوُّك يضج بعطورك المستوردة..
هذا النائم بالكاد يستقيم عليه سقفه، وأنت في وفرة الحجرات وارتفاع الأعمدة..!
هذا الفقير جارك، ..
وجار جارك، ..وشريكك في المدينة..
وشبيهك في صف الصلاة،
ونظيرك في صبر الصوم،
ومثيلك في الطواف،
وسوِّيُك في الركوع..
كلاكما تعفران الجبهة في السجود،
كلاكما تؤلمه الشوكة، وتحرقه الجمرة..!
كلاكما إلى آلة حدباء خلوا من الثوب، و الزاد، ومفتاح الدار، وبطاقة المال....!
هذا الفقير، جوارك، حارتك تعرفه، شوارع طريقك لا تغفله، مدينتك تعج به..
وأنت؟!
أينك منه؟!!،
أينك من فقراء قريبين منك ولا تدري، موغلين في العوز وأنت لا تعلم، ذوي حاجة دون أن تصلهم، تضرب عليك بأسوار عالية، وتندس في عربات فارهة، موائدك مشرعة لمن يصلها، وأبوابك تفتح لمن يتسلقون إليك..؟!
إن كنتَ لا تدري، فإنهم كثر ينامون يتضورون جوعاً، يتألمون مرضاً لا يجدون الدواء، تعوزهم أسمال تقيهم برداً قارساً، وحراً قائظاً..، بين أيديهم قوائم للسداد..!!
فابدأ بحارتك، وحيا تقطنه، ثم مدينة أنت فيها لتحصي مع جيرانك من الفقراء من يجاورك فيها، أو يقرب من جيرتك، أو يبعد عنك، أو هو في أقصى أطرافها، ..
أفقراء ينتشرون وكثيرون..
يكفيهم أقل القليل مما لدى الموسرين في مدنهم، ربما في أحيائهم، أو ربما في أقرب بقعة إليهم..
بطرق تقيهم ذل المسألة، وتوفر لهم عزَّ العناية والتكافل.
تحت مظلة النظام في ضوء الواقع الذي تلح فيه الكثير من المحاذير، بما لا يعطّل سيرورة التعاون والتكافل والإيثار.