د. محمد عبدالله العوين
أريد سبباً واحداً مقنعاً يسوغ تدخل فلاديمير بوتين حاكم الاتحاد الروسي الذي يبعد عن سوريا بأكثر من ثلاثة آلاف كم في سوريا؟!
هل ثمة علاقة روحية أو نسب أو حسب أو عرق أو دين أو مذهب أو مصلحة أو تاريخ أو رابط بأية صفة كانت تجمع روسيا بسوريا كنظامين سياسيين، أو يجمع بوتين ببشار، أو يجمع أسرة الأسد الحاكمة بأسرة بوتين الحاكمة إذا اكتشف أحد من المتابعين أو المحللين أن بوتين ينتمي في الأصل إلى أسرة عريقة حاكمة متحدرة من سلالة بطرس الأول المندثرة؟ أو أن بشارا يتحدر من أسرة عريقة حاكمة تنتمي إلى تاريخ مجيد لا يخفى على من يقرأ سفر تاريخ الشام فيجد اسم «آل الأسد» يشع نورا وبهاء وإشراقا وأمجادا وبطولات تضاهي تاريخ بني أمية حكام دمشق قبل آل الأسد، أو بني العباس، أو بني عثمان، أو حتى المماليك من الشركس والقوقاز والانكشارية؟!
هل ثمة جامع يجمع القيصر المنتفخ المتغطرس المتعالي المستكبر المتعجرف في موسكو والقيصر الصغير المأزوم المهزوم المتوتر الحائر التائه في دمشق؟!
لم أجد بعد طول بحث وتدقيق وتمعن وتفكير في وشيجة عميقة تربط بين روسيا وسوريا إلا عدد الحروف وتشابهها في الاسمين مع اختلاف يسير في مواضعها، بحيث لو قلبناها على أكثر من وجه وصيغة لتهنا بينهما فلم نعد نعلم أيهما المأزوم المهزوم وأيهما المنتفخ المتغطرس؟ ولم نعد ندرك أين هي مدينة الثلج والصقيع والفودكا ومدينة الشبيحة والنار والحرائق والخراب؟ ولتهنا أيهما يصدر قرار الحرب وأيهما ترسم له خطط الحرب؟ وأيهما تدار باسمه المعارك الطاحنة وهو لا يعلم؟ وأيهما يأمر وينهى ويعين ويفصل ويبني ويهدم؟ وبسبب تشابه الحروف في الاسمين وتقارب النطق في الكلمتين وتطابق الصفات الأخلاقية في القاتلين؛ المتربع على العرش في موسكو والنائم على بقايا العرش المنهار في دمشق لم نعد نعلم من يصدر القرار ولا من يبث الأخبار ولا من يكشف الأسرار في ما تبقى من الديار؟!
يقول القيصر إن الداعي الوحيد لجرجرة أساطيله في الجو والبر والبحر إلى بلاد الشام الحرب على الإرهاب؛ ولهذا الهدف الشريف والغاية الإنسانية النبيلة بنى قاعدته العسكرية الضخمة في طرطوس التي لم تكن شيئا مذكورا في عهد حافظ؛ ولكنها مع القاعدة الأخرى «محيميم» أصبحتا نقطة تحول في مسار أي حرب لا في الشام وحدها؛ بل في وسط آسيا برمتها.
واستجابة للدواعي الإنسانية في الحرب على الإرهاب كف يد حاكم ما تبقى من ديار بني أمية وألزمه الصمت ودخول المخابئ وتلقي الأخبار، وتولى القيصر نفسه تدمير الإرهاب في مدن السنة بأعتى الأسلحة وأكثرها فتكا كالفسفور والغازات السامة في أدلب وحماه وحلب وجسر الشغور، فلم تدع «السوخوي» حيا عامرا أو بقايا حي عامر ولا بشرا أو حجرا أو زرعا أو ضرعا إلا دمرته؛ لأن الإرهاب الذي يخشى بوتين أن يصل إليه في موسكو ويقطع مسافة أكثر من ثلاثة آلاف كم يسكن لا في البشر فحسب؛ بل في الشجر والحجر؛ فلم يعد ثمة حي يمكن أن يحمل إرهابا بعد أن سويت المدن على من فيها، وهنا يأمن بوتين على نفسه من خطر إرهاب الشعب السوري العابر للقارات في تكامل دقيق لما يفعله أيضا الحشد الشعبي في العراق سواء بسواء، فمهمة الثلاثي المتناغم في موسكو وطهران ودمشق واحدة، ولم أذكر بغداد؛ لأنها أصبحت في عداد المدن الإيرانية.
هذا البوتين ماذا يريد؟!
لم تعد حكاية التمدد في مياه البحر الأسود والتحاذي والتجاذب مع جزء من أوروبا من خلال اللاذقية أو طرطوس أو بانياس مقنعة، ولم تعد حكاية الإرث الاشتراكي القديم الذي رتعت فيه سوريا تحت حكم أزلام من العسكر المتعاقبين مقنعة أيضا، ولم تعد المصالح الاقتصادية التي ينظر لها بوتين بطمع في سوريا مقنعة؛ فهو يخسر الكثير ويستنزف قواته وقدراته المالية دون تحقيق أهداف واضحة!
ماذا يريد القيصر من قتل الشعب السوري وتدمير سوريا؟!
أهي رغبة شرهة في الانتقام من العرب والمسلمين بعد الدم النازف في أفغانستان والشيشان؟ أم هو ثأر ديني أو أيدلوجي أو عرقي؟ أم تطلع إلى إثبات الذات بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي القديم؟!
الحق أن التورط في مستنقع سوريا والتمحك مع العرب والمسلمين لن يجني منه القيصر الروسي المنتفخ المتعجرف بقوته إلا كل خسارة؛ فمع مزيد من التورط سترتد الحرب عليه؛ لا في قواعده في سوريا، بل ربما تصل إلى عقر داره.
هل بقي في العالم - أيها الناس - عقل أو إنسانية، ونحن نشاهد ما يقترفه القيصر في حق المستضعفين الذين يدفنون تحت الركام أو يشردون في المنافي؟!