د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
الحضور الاجتماعي والثقافي والبساطة والبشاشة التي كان الدكتور عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله العسكر - رحمه الله - يتمتع بها، والنسب العائليّ الرفيع - حيث هو حفيد الأمير عبدالله العسكر الذي كان أمير مدينة المجمعة عندما تصالحت مع المؤسّس الملك عبدالعزيز (غفر الله لهما) ثم بعد ذلك أمير منطقة عسير - كل تلك الصفات لم تفلح في حجب شخصية العالم الأكاديمي الجادّ الغوّاص فى أعماق التاريخ.
وهذا الانطباع لم يكن وليد التأثّر بعلاقة شخصية، بل تولّد منذ أن استمعت إليه وهو يلقي في مركز حمد الجاسر الثقافي محاضرة حول (مسيلمة الكذاب)، ثم بعد قراءتي لكتابه الرائع (تاريخ اليمامة في صدر الإسلام)- الذي صدر عام2012 - وهو نسخة عربية من رسالته للدكتوراه ؛ فقد بهرنى هذا الكتاب بعمق التحليل والاستقصاء للوقائع التاريخية والمعلومات الجغرافية، ومثابرته على تركيب فسيفساء متناسقة من تلك الوقائع والمعلومات التى يتصيّدها من العديد من المراجع المعتبرة - عربية وغير عربية - لبناء صورة مجسّمة متكامله لتاريخ اليمامة في صدر الإسلام. وكم شعرت بالامتنان لمؤلف الكتاب بعد أن اطلعت عليه، فقد خُيّل إليّ وأنا أقرأه أن غطاءً انكشف لى عن تاريخ مدفون في عمق الزمن، كنت - ولا أظنّني الوحيد - أجهله. وكان أحرى بمن هو مثلي من منطقة نجد أن يعرفه، ويعرف أن تاريخ اليمامة وتاريخ بني حنيفة لا يُختزل في زعامة مسيلمة الكذاب وادعائه النبوه، بل كان إقليم اليمامة قبل مسيلمة مستقراً حافلاً بمظاهر حضارية مزدهرة في الاقتصاد والزراعة والصناعات المعدنية، وأن اليمامة كانت - لموقعها المتوسط وثرواتها - سوقاً للعرب وحلقة الوصل والتبادل التجاري بين بلاد فارس واليمن، وكان يعمل فى الحرف الزراعية والصناعية أعداد غفيرة من عمالة الموالي والعمالة الوافدة الفارسية. على أن النشاط العلمي للدكتور عبدالله - رحمه الله - لم ينحصر في التأليف بل امتدّ بنفس الحماس والعمق والجدّيه إلى الترجمه، كما تعكسه - على سبيل المثال - ترجمته لكتاب ديفد كمنز عن: (الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعوديه) الذي صدر عام 2012، التي لم تكن ترجمة أمينة وجيدة فحسب، بل كان لا يفوته أن يضيف في الحواشى تعليقات أو تصحيحات دقيقة ووافيه لما يبدر من المؤلف من معلومات أو آراء غير صحيحة أو غير دقيقة. مثل هذه الشخصية العلمية الوطنية لا بدّ أن يحزن المرء لفقدها، لا سيّما إذا جاء الفقد مفاجئاً. لكنّ أخلاقه العالية وما خلّفه من آثار علمية يُنتفع بها ستجعل الكثيرين يذكرونه ويدعون له بلا انقطاع.