د. أحمد الفراج
دلف أبو البراء إلى صالة الأفراح لحضور حفل زواج ابن صديقه الحميم، وبينما هو منهمك في السلام على الحضور، توقف فجأة، وتمعر وجهه، ثم توجه بحديثه إلى والد العريس، معاتبا إياه على السماح بالغناء في قاعة النساء المنفصلة، ولم يكن ما سمعه أبا مالك غناءً، بل شيلة لمنشد العرب، صاحب شيلة «يا ليبرالي» الشهيرة، وشيلة «غنماتي» الأشهر، ورغم محاولات الحاضرين ثني أبا مالك، وإقناعه بأنها مجرد شيلة إسلامية، ترقص عليها الفتيات الصغيرات، إلا أنه ركب رأسه، ولم يجلس حتى تم إيقاف الشيلة، ثم أخذ أبوالبراء المايكرفون القريب منه، وخطب خطبة عصماء عن حرمة الغناء والاختلاط، وكان من ضمن عباراته المجلجلة تلك الليلة عبارة «يا صويحبات إبليس»، والتي خاطب بها السيدات الحاضرات للمناسبة، وبعدها عم الصمت المكان حتى نودي للعشاء، وتفرق الجمع المبارك.
أبو البراء، الذي يسكن منزلا فسيحا، ولديه أسرة كبيرة، هو واحد ممن رزقهم الله من فضله، فقد توفق في تجارة العقار، إضافة إلى عمله في التدريس، والوعظ، وعضويته في عدد من الجمعيات الخيرية، وعمله غير المتفرغ كمأذون شرعي، وبالتالي فإن لديه أكثر من سائق، ومجموعة من العاملات المنزليات من عدة جنسيات، وغني عن القول أن أبا البراء سبق له أن كتب وشارك في حملات تعترض على احتفالات اليوم الوطني للمملكة، خصوصا رفع علم المملكة من قبل الشباب من الجنسين، كما سبق له الاحتجاج على ظهور مقطع لفتاة، تركب حصانا في منتزه بري، وترفع علم المملكة، وهي بكامل حشمتها، وكان أيضا ضمن مجموعة من المحتسبين، الذين داهموا وزير العمل قبل سنوات، اعتراضا على عمل المرأة، وفق الضوابط الشرعية، فلأبي البراء صولات وجولات تستحق التدوين.
أحد الزملاء يتواجد هذه الأيام سائحا في تركيا، وقد اتصل بي وهو في نوبة ضحك عميقة، وبعد أن هدأ، أخبرني أنه شاهد صاحبنا أبا البراء في ميدان تقسيم، يحتفل مع الأتراك بفشل محاولة الإنقلاب التركي، وهو يلبس بنطالا وقميصا أنيقين، وطربوشا زهري اللون، وما لفت انتباه زميلي هو أن أبا البراء كان يتراقص على أنغام بعض الأغاني التركية، ولكنه كان -للأمانة- حريصا على عدم الإقتراب من السيدات المتواجدات بالميدان، اذ كان حريصا على أن يكون في الأماكن التي يتواجد فيها أقل عدد منهن، وكان منهمكا في ارسال «السنابات»، التي تنقل احتفالات الميدان مباشرة، إلى زملائه بالمملكة، والذين كانوا يرسلونها إلى أكبر عدد ممكن من المحبين والرفاق، ولكن لفت انتباه صاحبي أن أبا البراء شاهد مجموعة من الخليجيين والخليجيات يحملون أعلاما تركية، فتساءل عن مكان بيع الأعلام، ثم اشترى واحدا، ورفعه طوال الاحتفالات، ومع حلول المساء، واشتداد البرد، لف العلم حول رقبته، على طريقة لبس الشال، اتقاءا للهواء والبرد، ويختم صاحبي بالقول إن أبا البراء يعد العدة للعودة إلى المملكة، بعد انتهاء احتفالات تركيا، اذ إنه على موعد مع زملائه، لرسم خطة الاحتجاج القادمة على احتفالات اليوم الوطني للمملكة، وأنا شخصيا سأتابع نشاطات أبا البراء بشكل مكثف مستقبلا، وربما أكتب عنها مرة أخرى، فقصته تستحق التدوين.