لفت انتباهي عنوان مؤلف للمفكر «برهان غليون» اسمه «اغتيال العقل»، عُنى به تراثنا قبل أكثر من عقدين، وما يُكبله بقيود، ويُعيقهُ عن الحركة ويوجه الإبداع في زقاق ضيق جدًا يخلع عنه صفته، ليوقفنا خارج أسوار تراثنا؛ لبناء فكر موازٍ في مناهجنا، دون أن يكون ناقلاً له.. حول إرهاب عالمي أًسهُ انتكاسات أخلاقية، منعتنا من حماية عقول أجيالنا من الحية الرقطاء (نت وألعاب إلكترونية) غرست فكر الاٍرهاب، ناسين أن الاتحاد السوفيتي لم يتفتت إلا بتسميم ثقافتهم، لذا فمحاولة الترقيع الأخلاقي لم تعد مُجدية، إذ نحتاج إلى روح متجددة بعقلي نابع من منابعنا الأصيلة وشرائعها الأخلاقية التي تربينا ونشأ أسلافنا عليها، لتكوين عقد أخلاقي جديد خارج ثقافة الوعظ التي تملأ منابرنا دون أن تؤثر في عقول وقلوب أبنائنا.. ليتجرأ على الدماء ذوي ضلال فماذا جنى من فجر نفسه قُرب الحرم النبوي، وسوق مياس في محافظة القطيف بشهر رمضان الكريم، لتري في تلك الآية أربعة عقابات: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(93) النساء. ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما لمّا فقه المراد من الحديث: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله» رواه البخاري.
إنها ليست نهاية الإرهاب فقط، بل وبُشراكم.. إنها نهاية فكره الضال ومنابعهُ ممن أنكروا تفجيراتنا سواءً أكانوا دواعش أو صفويين أو من عاونهم كحزب الله، فكل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل قول مُرتبط بسياقه التاريخي والاجتماعي وحتى المكاني الذي قيل فيه، وما يمكن أن يصلح منه لسياقات أخرى يمكن قبوله حسب ما ارتبط به من شروط.
إنها فتنة يتولى كِبرها أغرار سفهاء جهلة، ساقهم أعداء الإسلام إلى حتف أنفسهم، والتخوض في أعظم جرم بعد الشرك بالله وهو «قتل النفوس المعصومة»، فغدا يتيهون في دياجير الظلام مُنقلبين على أنفسهم، إذ سمعنا متجرئاً على الدماء في حادثة طوارئ عسير يستدل على عمله الضال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} (123) سورة التوبة.
مُدعيًا بها على البدء بقتل الأقربين من المسلمين، مُكفّرين لهم ومُستحّلين دمائهم في واقع أليم لم يسبقهم إليه لا أهل البدع، فأي ضلال بعد هذا!!
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ووطناً نشأنا فيه وعلى ثراه أطهر بقاع الدنيا، ورجالاً سهروا على أمنهما وأمننا وفي سبيل الوطن من زفوا عرساناً إلى جنة باريهم.
- كاتب ومفكر أكاديمي