أ.د.عثمان بن صالح العامر
كثيراً ما عيب على اقتصادنا السعودي اعتماده شبه الكامل على النفط «الذهب الأسود»، الذي وإن كان له الفضل بعد الله فيما وصلنا إليه من حال خلال عمر قصير في دنيا الحضارات وتاريخ الأمم والدول، فإنه سلعة مهددة بالانقراض يوماً ما، ولا يعلم أحد إلا الله متى سينضب، ولا حجم الموجود منه تحت الأرض، كما أن المخاطرة الاستثمارية فيه عالية في ظل سوق مفتوح يحكمه - كما هو معروف - العرض والطلب، ووجود المنافس البديل، والتبادلات السياسية والتجاذبات الإقليمية التي لا تخفى، ولذا كان القرار الملكي الحازم والحاسم والموفق بالتحول الوطني السريع الذي يسعى- فيما يسعى إليه - إلى تنوُّع مصادر الدخل الوطني، والتركيز على نقاط القوة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية وتوظيفها التوظيف الأمثل لمصلحة الاقتصاد ورفع حساب العائدات والإيرادات غير النفطية في أسرع وقت ممكن، وفي هذا السياق تأتي قرارات مجلس الوزراء الذي ترأسه الاثنين الماضي نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف الرامية إلى جعل التحول الوطني واقعاً معيشاً، وبدء خطواته العملية على أرض الواقع .
* إنّ إعلان هذه القرارات الجديدة هي في الحقيقة الخطوة الأولى للتحوُّل الوطني المنشود، يتعبها جزماً خطوات عديدة لعل من أهمها جودة التطبيق، وسلاسة الإجراءات، وقلة الورق، واختزال الوقت، وتوظيف التقنية بشكل تام حتى ينهي طالب الخدمة جميع متطلّبات الحصول عليها وهو جالس في بيته، فضلاً عن هذا وذاك، من الأهمية بمكان - ونحن نشهد تدشين مرحلة جديدة في عمر وطننا المبارك المعطاء - الامتثال الكامل لما صدر من أوامر، والالتزام الحقيقي بما جاء من توجيهات ملكية كريمة، وتعاون الجميع حين التنفيذ، ثم تأتي مرحلة المتابعة ومن ثم المحاسبة والتغذية الراجعة لمعرفة مدى استفادة اقتصادنا الوطني من هذا العائد المالي غير النفطي، الأهم في نظري استشعار المواطن مسئوليته المباشرة في المشاركة الحقيقية لإنجاح هذه النقلة النوعية في اقتصادنا الوطني، وقبله المسئول - سواء أكان هذا المسئول في الإدارات العليا أو المتوسطة والدنيا - الذي يجب عليه أن يلتزم مواصفات المواطنة الصالحة ( العدل والصدق والإخلاص والأمانة والتجرد من حظوظ النفس ) ديانة ووطنية وإنسانية واستشعاراً للمسئولية وتقديراً للثقة الملكية الكريمة التي منح إياها.
* إنّ رؤية 2030 ليست حبراً على ورق، ولا هي نخبوية تهم شريحة من المجتمع دون غيرهم، ولا يمكن أن تكون ترفاً، أو أمراً محتملاً قابلاً للتراجع أو النكوص، بل هي ضرورة ملحّة فرضتها معطيات الواقع وملابسات الحال والرؤية الاستشرافية للمستقبل المنتظر، وعمق نظرة ولي الأمر وثاقب بصيرته بما هو في صالح الأجيال على أديم ثرى تراب أرضنا الطاهر، ولذا فنحن أمام مرحلة مهمة وامتحان صعب.
* إنّ الخطورة الحقيقية - كما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد - إن لم نعمل على ضوء رؤية 2030 ونسعى جهدنا لتنوع إيرادات الوطن، ووعينا بالمرحلة يوجب علينا نحن المواطنين السعي الجاد لتغيير سلوكنا الاقتصادي، وتوطين أنفسنا على التعامل الإيجابي مع ما قد تفرضه الرؤية من متطلبات قد تؤثر ولو شيئاً يسيراً، على ما اعتدنا عليه من نهج وسلوك.
* إننا في الوقت الذي نثمّن ونشكر ونقدّر لقيادتنا الحكيمة هذه القرارات المفصلية المهمة الطامحة لمستقبل أفضل لجيل الغد الذين هم أبناؤنا وأحفادنا، إننا في ذات الوقت نجدد الوعد والعهد بأن نعمل ما في وسعنا لإنجاح ما يكون سبباً بحول الله وقوّته لأمن واستقرار الوطن، وسلامة وسعادة واطمئنان المواطن، وأن نبقى جنود وطن مخلصين ومواطنين أمناء وأوفياء وصادقين خدمة للدين ثم المليك والوطن، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.