د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تسعى الدول جاهدة على تحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها، إضافة إلى تقديم الخدمات اللازمة، وتتلمس السبل بما يحقق الازدهار الاقتصادي والتنمية، وهذه الغاية النبيلة يلزمها قرارات وتشريعات يلتزم بها كل السكان من مواطنين ومقيمين، ولن تكون تلك التشريعات والأنظمة ذات جدوى، إذا لم يصاحبها تنفيذ أقرب إلى الكمال حتى تعطي أكلها ويتحقق المراد منها.
والدول تحاول استثمار ما لديها من إمكانات متاحة سواء كانت مواد أولية، أو صناعات بشتى صورها، أو زراعية أو غيرها، وأهم من ذلك بعث مكنون العطاء البشرى للمواطن وتوفير بيئة مناسبة للعمل الجاد الدؤوب ليسابق الزمن في اللحاق بالدول الأخرى المتقدمة، ويحقق الكثير من الإنجازات.
الدول تسعى لزيادة النمو الاقتصادي وخفض العجز في الميزانية، والعجز التجاري لتوفير العملة الصعبة، وهذا يتطلب إنتاجاً محلياً للسلع والخدمات، إضافة إلى البيئة الصحية والعملية للمواطن.
في هذا الأسبوع أصدر مجلس الوزراء بالمملكة قرارات مهمة تتعلق بسعي وزارة المالية إلى زيادة الموارد غير النفطية، وكذلك الحد من ظاهرة غير إيجابية طغت على السطح رغم الجهد المبذول للحد منها، وهي ظاهرة التفحيط، ولعلنا نبدأ بها لأنها تتعلق بأرواح البشر، فحوادث السير في المملكة تعد عالية جداً مقارنة بدول الخليج، أو الدول الأخرى، وتشكل نسبة كبيرة من أسباب الوفاة والإعاقة، ومن ضمن الأسباب التفحيط الذي جعله بعض الشباب ضمن هواياتهم رغم المخاطر التي قد تصيب المفحط والمشاهد والمراقب والغافل السائر في دربه.
هناك اتفاق أن سبب حوادث السير في المملكة السرعة، والتفحيط على رأس أشكال السرعة المميتة، ولقد أثبتت الدراسات وفاة شخص واحد كل ساعة وإصابة أربعة بسبب السرعة، ولابد أن للتفحيط نصيباً منها، ولذا فإن حوادث السير تحتل المرتبة الثالثة في أسباب الوفيات في المملكة.
من المؤسف أن معدل زيادة عدد الوفيات بسبب حوادث السير ومنها التفحيط زادت من عام 2010 حتى عام 2015، أي أن المعدل في ازدياد، ونحن نفقد فلذات أكبادنا بزيادة مضطردة، لهذا فقد جاء قرار مجلس الوزراء الموقر ليحد من تلك الظاهرة بفرض غرامات وسجن المفحط إذا تمادى في غيه، ومصادرة مركبته، حماية للناس من طيشه وعدم إدراكه.
والحقيقة أن المنزل هو الأساس في تربية الفرد والنأي به عن منزلقات الأخطاء السلوكية، ومن ضمنها السير والتفحيط بالذات. وفي الوقت الذي نجد فيه الحب العميق والعاطفة الجياشة لدى الوالدين - رفع الله قدرهما - والحرص على توفير الراحة والسعادة للأبناء، إلاّ أن الضعف المدفوع من العاطفة أحياناً أمام رغبات الأبناء يجعلهم يتغافلون عن بعض السلوكيات غير الرشيدة رغم علمهم بما يترتب على ذلك من خطر يطالهم. فقد يقومون بشراء المركبة، واستبدالها إذا أصيبت بخلل، رغم علمهم بأنها تستخدم للتفحيط المؤذي للابن والآخرين. وهكذا تكون العاطفة الجياشة في أحيان كثيرة مدعاة لبعض السلوك غير القويم.
قرارات أخرى أصدرها مجلس الوزراء الموقر ذات علاقات بتأشيرات الزيارة التجارية والعمالة المؤقتة والخروج والعودة والمرور وغيرها، وفي الواقع فإن تأشيرات الزيارة المتعددة قد تستخدم لتلافي استصدار تأشيرة عمل لتجاوز النطاق المسموح به، ولإتاحة فرص العمل للسعوديين، فهناك من يقدم إلى المملكة بتأشيرة متعددة لمدة ستة أشهر أو سنة أو سنتين بحجة العمل التجاري أو الزيارة، وفي الواقع إنما الأمر في حقيقته العمل الدائم، في المصنع أو المخبز أو المطعم أو المقاولات ونحوها. ولهذا فإن مثل هذا الإجراء سيحد من تلك الظاهرة تلافياً لاستخدامها في غير ما صدرت لأجله، وهذه التأشيرات إنما أتيحت للاستفادة منها لتسهيل الحصول على التأشيرات من قبل رجال الأعمال، أو كذلك الزيارة الأسرية لأسباب إنسانية، إضافة إلى أن البعض من الإخوة الوافدين يعملون في التجارة تحت غطاء مؤسسات سعودية، وهؤلاء كثيرو الترحال والذهاب والعودة لمتابعة مصالحهم الخاصة باسم صاحب تلك المنشأة، وإن كان مثل هذا غير جائز قانوناً إلاّ أن هناك من يمارس مثل هذا العمل.
إن هذه القرارات التنظيمية تصب في صالح تنظيم العمل داخل المملكة وتساوي الفرص أمام رجال الأعمال، وهذا ما يتيح بيئة مناسبة للمنافسة.